يعيش لبنان هذه الأيام مرحلة مفصلية بالغة الأهمية على حاضرة ومستقبله، والتحديات والمخاطر التي تهدد الواقع الاقليمي القريب من لبنان والبعيد منه، لاتزال حاضرة بالنظر الى ما يمكن ان يحدث من اختراقات، لن يكون هذا البلد بمنأى عنها او بعيداً عن أهدافها وتداعياتها خصوصاً وان التصويب على «حزب الله» لايزال ساري المفعول..
بصرف النظر عن الملاحظات المتعددة المصادر التي تطال أداء «حزب الله» وتحديداً على المستوى الاقليمي، فإنه من الانصاف القول، ان هذا الحزب، التزم، وبحدود لا بأس بها النأي بالساحة اللبنانية عن صراعات الخارج، وفصل بين الساحة اللبنانية، والساحات التي تشهد له حضوراً عسكريا وأمنياً، وتحديداً في سوريا.. وعلى رغم العديد من الملاحظات على دوره في تعطيل ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة، وهي الاولى بعد الانتخابات النيابية، فقد أظهر المشهد السياسي العربي، على وجه العموم، من المحيط الى الخليج، انه لايزال على حاله، بل تراجع الى الوراء كثيراً، ما قد يؤسس بنظر البعض الى اعادة رسم خريطة سياسية للعالم العربي، وكذلك الى رسم خرائط اجتماعية واقتصادية وديموغرافية، المتضرر الاول منها هم العرب، والمستفيدان الأساسيان منها هما «إسرائيل» وايران على رغم الفوارق بين الاخيرتين.
لقد شكل وصول الرئيس الاميركي ترامب الى اعلى مرتبة في ادارة الولايات المتحدة الاميركية، الموصوفة بالدولة الاقدر والاقوى في العالم، مصدراً ليس للنشوة والابتهاج في أواسط الاسرائيليين، فحسب بل مصدراً أساسياً للمؤازرة والدعم اللامحدود لتطلعات «إسرائيل» التوسعية، ولم يبق لبنان بمنأى عنها، بل في صلبها، تماماً كما والحقوق التاريخية لشعب فلسطين على امتداد الارض الفلسطينية.. وفي هذا السياق فقد جاءت المواجهات بين شعب فلسطين، في غزة، كما وفي الضفة والاسرائيليين وتأهب لبنان لمواجهة أي اعتداءات اسرائيلية، وقد تمادت في خروقاتها. الجوية للسيادة اللبنانية، مادة أساسية، في إعادة النظر بالعديد من المواقف ودافعاً للعودة من جديد الى تفعيل مقولة من هم الاعداء ومن هم الاصدقاء؟!
«النأي بالنفس» مقولة لا يمكن ان تطبق على فريق دون الآخر.. وعلى امتداد 18 عاماً بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 للبنان، فقد أثبتت الوقائع فشل سائر الجهود الديبلوماسية التي أقدمت عليها الحكومات اللبنانية المتتالية، وذلك على رغم القرارات الدولية المتتالية وفي مقدمها قرار مجلس الامن 425 والقرار 338، اللذين ينصان على وجوب الانسحاب الاسرائيلي غير المشروط من الاراضي اللبنانية، وكعادتها، فقد تمادت «إسرائيل» في سياسة الاستهزاء من الحركة الديبلوماسية ومضت تعبث غير مكترثة بالقرارات الدولية، الامر الذي دفع بقوى المقاومة – المقاومات اللبنانية الى حزم أمرها دفاعاً عن حق لبنان المشروع في تحرير أرضه وحماية أمنه واستقراره ودحر الاحتلال.. وهكذا كان؟!
يطل الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، مساء اليوم السبت من «الميادين» في ظل ظروف وتطورات وتحديات وتهديدات بالغة الخطورة والجدية على المستويات الدولية – الاقليمية – واللبنانية.. ولبنان يعاني ما يعانيه من أزمات من أبرزها تعثر ولادة الحكومة العتيدة.. وستكون للسيد نصر الله مواقف ينتظرها الجميع، ليبنى عليها وهو الذي كان دعا في طلات سابقة الى الفصل بين ما يجري خارج لبنان وما يحصل في الداخل.. ألا أن «ليس كل ما يتمنا المرء يدركه، حيث تجري رياح التطورات بما لا تشتهي سفن عديدين..».
لا أحد ينكر، ان للحزب مكانة رفيعة المستوى ومؤثرة، ليس في لبنان فحسب، بل وفي المنطقة.. لكن ذلك لا يعني اطلاقاً بأن «حزب الله» ليس مدعواً لاعادة تقييم كامل لتجربته، على قاعدة قراءة أدق لخصوصيات الوضع اللبناني وتركيبة قواه الاجتماعية والسياسية والدينية والطائفية والمذهبية وطبيعة التشابك والتداخل في بنية بالغة التعقيد من هذا النوع.. تضاف الى ذلك أهمية توسيع دائرة التحالفات مع قوى لها تاريها وتضحياتها، من دون ان يغيب عن هذا المشهد ذلك الامتداد الشعبي في أواسط مسيحية وغير مسيحية امتداداً مدنيا، وكابحا أمام الانشطارات الطائفية والمذهبية.
لا أحد ينكر، ان لبنان اليوم، يعيش فصلاً من فصول الصراعات السياسية – الاعلامية التي تشهدها تركيبته السياسية والاجتماعية، بشكل دوري ومنتظم، وهي وإن غابت لمرحلة، فذلك يعود الى حاجتها المرحلية إما للهدنة أم لاعادة انتاج عناصر تفجيرها من الداخل.. وقد كان الرئيس نبيه بري على حق، حين وضع اصبعه على مكمن الخلل، داعياً الى الخروج من هذه المشهدية الى بناء الدولة المدنية العادلة والمقتدرة الي تساوي بين الجميع. في الحقوق والواجبات وتحفظ الامن والاستقرار وتوحد الكلمة والمواقف ازاء اعداء الخارج، فهل يتلقى السيد نصر الله هذه الدعوة بايجابية؟!