IMLebanon

لا تمحي الصفحات السّود من السّجل العدلي !!

من نافلة القول إنّ «الدولة» في لبنان هي دولة فاشلة، ولعلّ من علامات هذا الفشل الرئيسية تصدّر الذين عجـّلوا به، الواجهة السياسية واحتلالهم المراكز الأساسية التي تتحكّم بعجلات المؤسسات الدستورية والإدارات الرسمية. وحتى أكون واضحة وصريحة أُذكّر بأنّ الذين يتربّعون على كُوَم الرّكام في لبنان، كـأنّها عروش لهم، هم «أمراء الحرب». أي أنّهم حملوا السلاح، على رأس جماعات وأحزاب «عسكرية» أثناء الحروب اللبنانية التي اندلعت بدءاً من 13 نيسان 1975، وسطّروا الصفحات السّود. لدي انطباع أنّ هذه الحروب لم تنتهِ بعد، أو بالأحرى أنّ انتهاءها يؤرّخ توقّف المشروع الوطني اللبناني نهائياً.

إذا كانت هذه الملحوظات حول الأوضاع في لبنان صحيحة، واقعية، حقّ لنا أن نفحص طبيعة الأحداث والانقلابات التي تلاحقت في الآونة الأخيرة على الساحة اللبنانية، وتحديداً في إطار محاولة أمراء الحرب إقناع الناس، أو إيهامهم، أنّ الصفحات الماضية السود والحمر، طُويت، وأنّهم حريصون على «الدولة»، وبالتالي هم عازمون على إعادة ترميمها كما جرت العادة، ضمن الشروط الدولية والإقليمية.

هنا يعترض المراقب سؤال عن الأسباب التي جعلت «أمراء الحرب» يقتتلون، فلقد اتّضح الآن أنّهم يسلكون نفس السياسة، ما يحمل على القول إنّهم لم يتحاربوا من أجل عقيدة أو رؤية للوطن، فهم يكادون أن يكونوا أتباع عقيدة واحدة وأصحاب نفس الرؤية. ينجم عنه أنّ حدوث الفاجعة الوطنية اللبنانية مردّه إلى منازعة تنافسية بين جماعات متشابهة، شقيقة!

لا أعتقد، استناداً إليه، أنّ المنطق يُجيز لنا أن نولي «أمراء الحرب» ثقتنا، وأن نعلّق الآمال عليهم في إعادة بناء الوطن – لبنان، ولا سيّما أنّ جميع اللبنانيين يعلمون أنّ كل أمير مرتبط بعلاقات إقليمية ودولية تُملي عليه مواقفه، أو أنّه على الأقل ملتزم بأن يأخذ بالحسبان رغبات عرّابه. بمعنى آخر، إنّ مصير لبنان لا يقرّره اللبنانيون ولا يقرّره أمراء الحرب اللبنانيين، وإنّما يحدّده بدرجة عالية العرّابون الأجانب. ينبني عليه، أنّ دور أمراء الحرب يكاد أن يكون مقتصراً على مهمّة التوصيل والتبليغ والتنفيذ. المعروف بحكم التجربة، أنّه إذا تعارضت مصالح المشغّلين وقعت الحرب بين وكلائهم في لبنان.

أظنّ أنّي لا أكشف من خلال ما تقدّم عن سر يجهله اللبنانيون، بل هذه هي الحقيقة «الوطنية» التي تعشّش في الصروح التي شيّدها لأنفسهم أمراء الحرب، والتي لا يجهلها اللبنانيون. أمّا دافعي إلى تناولها في هذا البحث، فهو التفكير في إمكانية تحرّر اللبنانيين من قبضة «أمراء الحرب»، لعلّ ذلك يفتح أمامهم آفاق الشراكة الوطنية، على أساس مشروع يتوافقون عليه، يُعبّر بصدق عن حقيقتهم هم وليس عن حقيقة الغرباء في بلادهم. حقيقة الناس العاديّين الطيّبين البسطاء تنطوي ضمنياً على الحق والعدالة والحقوق، بالضدّ من حقيقة المستعمرين ومقلّديهم في بلاد الجوار ووكلائهم المحليين أمراء الحرب التي تعني توحّش الأقوياء وإرهابهم!

مجمل القول وقصاراه، إنّ إعادة بناء الوطن لبنان، واستيعاب التجارب المرة التي اجتازها اللبنانيون تكون، بحسب رأيي، بمقاطعة المسرحية الممجوجة التي يلعبها أمراء الحرب أمامنا. الوقت ليس ملائماً للتهريج، فأمّا أن يكون اللبنانيون لبنانيين، هذا يعني أن يحصّنوا أنفسهم من تأثير الدول الأجنبية، وأن يختاروا ممثّليهم بأنفسهم، وإمّا لا يكونوا.

إنّ الأوطان يبنيها البناؤون من أسفل إلى أعلى، بالضدّ من المستعمرات التي يخلقها المستعمرون، أسطحاً ترفعها أعمدة لا أساس لها، حتى يسهل تفكيكها ونقلها «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»!