مسلسل الزيارات الى المملكة السعودية لا ينتهي بل يطول. فبعد الاستدعاءات لسياسيين وقيادات 14 آذار، ثمة توجه جديد للسعودية بالتلاقي ودعوة مراجع غير سياسية لبنانية ايضاً. وفي هذا الاطار، فان المملكة وجهت دعوات خاصة لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وللبطريرك الماروني مار بشارة الراعي ومرجعيات دينية وغير روحية ايضاً. حيث من المتوقع وفق اوساط مطلعة ان يكون هدف السعودية الانفتاح على افرقاء سياسيين وقيادات الطوائف لاعادة تكوين الملف اللبناني وحيث من المتوقع ان يكون هناك بعد انتهاء اللقاءات موقف سعودي قد يكون متناغماً وقد لا يكون مع ما وعد به وزير الدولة السعودي « قريباً ما سيحدث سيكون مذهلاّ» .
الا ان المفارقة في كل الدعوات السعودية الى اللبنانيين كانت الدعوة التي تلقاها البطريرك الراعي، وهي المرة الاولى التي تتم فيها دعوة سعودية لشخصية دينية كما ان الراعي عندما سيلبي الدعوة سيكون الشخصية الدينية المسيحية الاولى التي تزور السعودية او اول بطريرك يزور المملكة. كما ان دعوة الراعي لا تشبه ابداً وفق اوساط قريبة من بكركي لا من قريب ولا من بعيد الدعوات التي وجهت الى السياسيين اللبنانيين او ما عرف بحملة الاستدعاءات السعودية .
واذا كان البطريرك الراعي الذي عاد مؤخراً من نيويوك بزيارة رعوية لتدشين مذبح القديس شربل والذي لا ينفك يقوم بجولات واسفار دينية لا تغيب عنه السياسة وشؤون لبنان واوضاع النازحين السوريين وتشعبات المشهد الداخلي، فان زيارة السعودية تطرح تساؤلات في التوقيت مع حملة الوزير السبهان ووعيده وتهديده للحكومة ولحزب الله وقد بلغت الحملة ذروتها بتطيير الحزب واخراجه من المعادلة اللبنانية. وقد اكد السبهان ان تغريداته ليست من عندياته ، كما ان الزيارة تطرح تساؤلات حول كيفية دخول البطريرك الى الاراضي السعودية التي تحذر الاشارات المسيحية وارتداء الصلبان وحيث لا وجود لكنائس مسيحية ولا يمارس المسيحيون شعائرهم الدينية. والسؤال: هل سيكون الراعي قادراً على ممارسة الطقوس المسيحية ام تكون زيارته سريعة وخاطفة حيث لا يمكن للراعي الالتقاء برعيته كون الزيارة ليست دينية ولا رعوية على غرار جولاته السابقة.
ومن الاسئلة المطروحة: هل المطلوب من زيارة الراعي ان تكون جزءاً من حملة السعودية على حزب الله وايران؟
الاقلية المسيحية في السعودية غير مسموح لها بممارسة اي طقوس دينية، فالمسيحيون الاجانب بصفة عامة يمارسون الصلوات في منازلهم، وهناك «هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر» تمنع ممارسة الديانة المسيحية.
بعد زيارة الراعي هل ستسمح السعودية ببناء كنيسة ليستطيع المسيحيون ممارسة شعائرهم الدينية؟
وعليه تقول الاوساط، ان زيارة السعودية هي بدون شك عندما ستحصل زيارة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المسيحية بين لبنان والمملكة ، وتؤسس لنقلة نوعية في تلك العلاقة اذا ما حصلت بدون اشكاليات. وعليه يبقى السؤال: اذا كان الراعي سيلبي العودة الى السعودية بعد زيارته الى سوريا ومصر، هل يزور الراعي ايران ايضاً؟ في كل الاحوال تؤكد الاوساط يجب الفصل بين السياسة وبعض جوانب هذه الزيارة ، فتلبية الدعوة لا تعني بالضرورة ان البطريرك الماروني يتبنى الموقف السعودي تجاه حزب الله .
وعليه تكون العلاقة بين بكركي والمملكة خطت خطوات جديدة على غرار العلاقة بين العهد والسعودية ، فرئيس الجمهورية ميشال عون تقصد ان تكون فاتحة عهده زيارة السعودية التي قيل فيها وعنها قبلها وبعدها الكثير، وهي سابقة في تاريخ رؤساء الجمهورية حيث درجت العادة ان يزور الرئيس المنتخب فرنسا او الفاتيكان، فرئيس الجمهورية اراد ان لا تكون زياراته الى دول حليفة لخطه السياسي لاعادة ترتيب ما افسده الزمن ومن اجل صياغة علاقة جديدة بين لبنان ومحيطه العربي ولتأهيل العلاقة من الشوائب السياسية والملفات التي تسببت بما يشبه القطيعة الرسمية مع افرقاء في الدولة اللبنانية. وعليه، فان مبادرة العهد تجاه السعودية وصفت في حينه بغير التقليدية والشجاعة.
في هذا الاطار بقيت العلاقة وظل المشهد اللبناني – السعودي مثالياً تقريباً بين لبنان والمملكة، ولا تعكره اشكاليات اساسية ضمن ضوابط واحترام رسمي ومواقف مدوزنة، ومع وقف الحملات السياسية بين الجانبين، رغم ان الانفتاح على المملكة لم يحقق الكثير من النتائج العملانية لتحريك ملفات نائمة في الادراج وحيث لم يكن منتظراً ان يعمل التقارب على صنع المعجزات بكبسة زر نظراً للملفات والاستراتيجيات والمواقع المختلفة.
وعليه، مرت العلاقة مع المملكة بمطبات، فالجانب السعودي لم يبادر الى دعوة رئيس الجمهورية الى القمة السعودية التي حضرها رئيس الحكومة ووزيرا الخارجية جبران باسيل، اضافة الى تصريحات وزير الخارجية ثامر السبهان التي تحرج وتربك كل اركان الدولة اللبنانية. فالسعودية لا تتردد في تنفيذ اجندتها السياسية وفق مصالحها الاقليمية دون اي اعتبار للبنان. وبدون شك فان المملكة ادركت متأخرة ان «ميشال عون قبل الرئاسة وبعدها هو الشخص نفسه». من الصعب استدراجه الى المحور الإقليمي الذي تنتمي اليه السعودية وبالتالي فان فترة السماح التي اعطتها المملكة لترتيب وضع افضل مع الرئاسة او التقرب من استراتيجيتها في المنطقة قد انتهت وقد بدأ توجيه الرسائل من تحت الطاولة وفوقها ومنها ذات مرة حجب الموقع الالكتروني للتيار الوطني الحر ومجموعة «شيفرات» تتم قراءاتها بدون الغوص فيها او التصويب عليها.
لكن التباين في السياسة الذي عاد ليبرز بقوة مؤخرا لا يعني قطع العلاقة او «شوشرة» المسألة، فالجانب اللبناني يدرك ان للمملكة حساباتها الدولية والاقليمية الكبيرة، كما تعرف المملكة ما هو تفاهم مار مخايل والعمق الاستراتيجي القائم بين الضاحية وبعبدا، عدا ذلك فان الوضع لا يمكن بحسب الاوساط ان يتدهور كلياً عما كان عليه في الماضي بين بعبدا والمملكة، نزولاً عند طلب اي طرف او لأن المملكة ارتأت ذلك، «فملائكة الرئاسة» حاضرون بقوة في الرياض، ورئيس الحكومة سعد الحريري عاد مؤخراً «الرجل الأول لبنانياً» في المملكة بعدما اعاد ترتيب اوراقه التي تبعثرت من فترة ما قبل التسوية الرئاسية فالحريري الذي تجمعه افضل العلاقات السياسية برئاسة الجمهورية على نحو غير مألوف في العلاقات بين الرئاستين الأولى والثالثة هو «صلة الوصل» التي انقطعت مع الجانب السعودي او حجر الزاوية في هذه العلاقة.
وعليه، تقول الاوساط ان واقعاً مغايراً ومختلفاً يسود العلاقة اليوم ويفرض نفسه وهو ان التعاطي يختلف على مستوى الرئاسات، فرئيس الحكومة لاي شبه رئيس الجمهورية في نظر السعوديين ، ورئيس الجمهورية ليس في صدد معاداة ومخاصمة حزب الله :كرمى لا أحد»، والمملكة لها اولوياتها الدولية والاقليمية وحساباتها في المنطقة وهي التي تطلق صواريخ على حزب الله وايران في كل وقت.