يجزم حلفاء إيران من اللبنانيين أنها وبعد إقفال ملفها النووي ستبادر إلى متابعة تنفيذ مشروعها الإقليمي المتعثّر حالياً. ويستندون في جزمهم إلى اعتبارين أولهما عشرات مليارات الدولارات التي سيعيدها إليها رفع العقوبات عليها والتي تحتاج إليها لمتابعة تمويل الحروب التي وضعت مشروعها على طريق الفشل. وثانيهما حاجة الولايات المتحدة إليها للنجاح في محاربة المتطرفين الإسلاميين بل المتشددين وفي مقدمهم “القاعدة” و”داعش” الذي خرج من رحم الأول. وهو نجاح يفرض على أميركا قبول استعادة نظام الأسد في سوريا مناعته وسيطرته على الـ75 في المئة من أراضيها بعد استيلاء الثوار والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، والمعتدلة إذا وجدت عليها، وقبول إعادة هيمنة شيعة العراق حلفاء إيران على سنّته. كما يفرض عليها الضغط على حلفائها العرب والمسلمين وفي مقدمهم السعودية لإقفال “حنفية” الدعم المتنوع لكل من يقاتل أسد سوريا والعراق “الإيرانيين”.
هل الجزم المذكور أعلاه في محله؟
إنه ينطوي على الكثير من التمنيات والأوهام، يجيب متابعون عرب ومسلمون سنّة وشيعة بعضهم موالٍ لإيران إما مباشرة وإما عبر وكلائها، ويبرهنون على ذلك بالإشارة إلى أمرين بالغي الدلالة والأهمية هما الآتيان:
1 – في إحدى مراحل الحرب الأهلية – المذهبية – الإقليمية الدائرة في العراق، أي قبل سنوات، عرض الرئيس الحريري بوصفه موفداً من السعودية، على القيادة الإيرانية تسوية تضع حداً نهائياً للحرب. وكان أهم اقتراح فيها تقسيم (سياسي لا جغرافي) العراق إلى ثلاثة أثلاث سنّي وشيعي وكردي، ثم التفاهم على صيغة له تحفظ وحدته وتعدديته بل ثُلاثيته. رفضت طهران ذلك، فقال الحريري: “إذاً لم يبقَ إلا الدمّ”. وكان جوابها: “فليكُن”. زاد ذلك غزارة الدم العراقي الذي لم يتوقف “سيله”. وما شجعها على ذلك اقتناعها بعدم وجود مشروع سعودي للعراق أو للمنطقة.
2 – عرضت تركيا على إيران في مرحلة أخرى، وهي صاحبة مشروع إقليمي معروف، التعاون لحل مشكلة العراق ولوقف الحرب فيه. تجاوبت القيادة في طهران وأبلغت إلى القيادة في أنقرة موافقتها على كل ما تريده في المنطقة باستثناء العراق وسوريا. وأوضحت لها أن الاستثناء هو لسوريا الدولة والنظام، وليس لرئيسها بشار الأسد. وأفهمتها أن الإتفاق على بديل منه أمر ممكن. رفض الرئيس التركي أردوغان (ربما كان رئيس حكومة في حينه) ذلك.
ويقدم المتابعون أنفسهم بعد ذلك برهاناً على تغيير إيران موقفها المتشدِّد المشار إليه يفيد أن الأولويات الإيرانية في العراق تغيّرت، وصارت ثلاث هي الآتية: الأماكن المقدسة الشيعية وأريافها وغالبيتها في الجنوب، المدى الحيوي الجغرافي الذي تحتاجه في العراق ومن هنا استعادة حلفائها ديالى بمساعدتها، العاصمة بغداد. ويفيد أيضاً أنها ستساعدهم لـ”تزنير” هذه “الأولويات” بأحزمة جغرافية، وتترك الباقي وهو صحراء في معظمه للسنّة وكردستان للأكراد. ولا يمنع ذلك محاولة أخيرة منها ربما لإعادة التواصل الجغرافي بين “عراقها” وسوريا في “نقطة القائم” الحدودية.
ويقدم هؤلاء أيضاً برهاناً إضافياً أميركي المصدر والهوية هذه المرة، وهو ينطوي على الآتي:
1 – يدرك نظام الأسد وحلفاؤه أنه صار في موقع الدفاع وأن عليه تغيير استراتيجيته والتركيز على حماية مناطقه. وتدرك إيران وروسيا حليفتاه أن التوصل إلى تسوية ضروري، لكنه لن يكون جزءاً منها شخصاً ونظاماً. إلا أنهما لن يتخليا عنه في مناطقه لأن ذلك يُضعف ذراعه الأقوى أي حزب الله اللبناني. إلا أن هذا الأمر الذي يجري الإعداد له (مفاوضات سياسية) يحتاج إلى وقت طويل جداً لإنجازه.
2 – تدرك إيران أنها ربما تكون تجاوزت كثيراً الحدود المقبولة في العراق. فأميركا تساعد جيشه النظامي، لكنها ترفض القيام بأي أمر، مثل استعمال الطيران الحربي لـ”التحالف الدولي ضد الإرهاب” إلا إذا صارت حكومة العبادي شاملة التمثيل، وإذا تراجعت ميليشيات “الحشد الشعبي” عن التغطي بالجيش لتنفيذ سياسة مذهبية وإيرانية تقضي باستعادة السيطرة على السنّة العراقيين وبتطهير بعض مناطقهم منهم. ويعني ذلك أن إيران قد تجد نفسها وحيدة في العراق.
هل يقنع ذلك كله حلفاء إيران من اللبنانيين؟ ربما. لكن لمَ الإستعجال، فأميركا غير مستعجلة على ما يبدو