توقّف مرجع ديبلوماسي مطّلع أمام مسلسل الإجراءات الروسية التي زجَّت بقدراتها العسكرية الإستراتيجية بما فيها طرّاداتها وصواريخها البعيدة المدى في حربها على «داعش» والمنظمات الإرهابية، ما يُوحي بأنّ الرئيس فلاديمير بوتين قد أقفل الأجواء السورية على معظم المتدخّلين في الأزمة ليُوزّع الأذونات كما فعل مع الفرنسيين أمس الأوّل. ما هي الظروف التي قادت الى تجاوز الحلول السياسية وهل سينجح بوتين أم يغرق أكثر؟
يَعترف الديبلوماسي أنْ ليس من السهل قراءة الإجراءات العسكرية الروسية الجديدة التي زجّت بها القيادة العليا في حربها على الإرهاب في سوريا، خصوصاً عند بدء إستخدام الأسلحة الإستراتيجية التي لم تُستخدم الى اليوم في الكثير من العمليات العسكرية الروسية التي خاضها القيصر خارج الأراضي الروسية والدول التي كانت تحت وصاية الإتحاد السوفياتي السابق، وهو ما يوحي بأنّه أدخل بلاده في أتون حرب بعيدة المدى قد تطيح بكلّ المساعي الديبلوماسية والمخارج المقترَحة للخروج من الأزمة السورية بآليات سياسية وخريطة طريق رسَمتها مؤتمرات جنيف وموسكو وفيينا لما كان يُسمّى بالمرحلة الإنتقالية.
ويضيف: يعتقد بوتين أنّ ما أنجَزه الى اليوم يهدف الى السيطرة الروسية الكاملة على الأجواء السورية. فهو يتصرّف وكأنّه اللاعب الوحيد في سمائها وعلى أرضها متجاهلاً أدوار دول الحلف الدولي في حربه على الإرهاب منذ أن أعلن هذا الحلف في 11 أيلول 2014.
ذلك أنّ الإجراءات الأحادية التي لجأ اليها تُوحي بأنّه أبلغ كلّ الأطراف المتدخّلة فيها بأنّه لن يسمح لأحد بدخول المجال الجوّي السوري قبل طلب الإذن منه تحت حجة «تنظيم» الأجواء السورية ومنع تكرار عملية إسقاط طائرة «السوخوي» التي يريد أن يستفيد منها الى النهاية، ما يسمح له بفرض أمر واقع جديد يُغيّر من شكل المواجهات فوق سوريا بشكل يتيح له إدارة اللعبة.
ويستند المرجع الديبلوماسي في رأيه الى ما توافر لديه من معلومات عن أنّ روسيا اقترحت على دول الحلف إنشاء غرفة عمليات تُدير العمليات الجوّية بإشراف روسي مباشر لتحاشي حادثة مماثلة لتلك التي وقعت فوق جبل التركمان.
وأرفقت روسيا دعوتها بتعزيز قدراتها البحرية والجوّية ولا سيما لجهة نشر شبكات الصواريخ (S 400) التي تعمل في نطاق يوازي قطره 600 كيلومتر، وطرادها «موسكو»، ما يسمح لها بالسيطرة التامة على الأجواء السورية والتركية معاً بالإضافة الى فرضه حظراً جوّياً على الطيران التركي في غمرة الإجراءات العقابية الإقتصادية والمالية التي باشر بتنفيذها مجمّداً العمل بكلّ الإتفاقات الإقتصادية بين البلدين.
ويضيف المرجع الديبلوماسي أنّ امام الرئيس الروسي محطات صعبة إذا ما صمَّم على اتخاذ الإجراءات الأحادية الجانب التي يُعتبر أنها تنطلق من كونه يخوض وحده «حرباً شرعية» متسلّحاً بالشرعية التي منحه إيّاها طلب الرئيس السوري بشار الأسد الرسمي للتدخّل الى جانب «الشرعية السورية»، فيما الحلف الدولي و»الناتو» ومجلس التعاون الخليجي يخوضون الحرب من دون مراجعة الأمم المتحدة أو أيّ من الهيئات الدولية الأخرى.
ويرى الديبلوماسي أنّ الإتفاق الروسي – الفرنسي لتنسيق الضربات الجوّية فوق سوريا والذي أعلن عنه عقب زيارة الرئيس فرنسوا هولاند الى موسكو يوحي بأنّ روسيا تلجأ الى الإتفاقات المنفردة في تنظيم الأجواء فوق سوريا، وجاء الإتفاق مع باريس ليزيد من هذه الإتفاقات التي عقدت سابقاً مع واشنطن وتل أبيب للغاية عينها.
وهو ما يطرح السؤال مجدداً، هل سينجح بوتين في إحتكار الأجواء السورية وما ستكون عليه ردات الفعل لدى اطراف الحلف الدولي الذين يخوضون المواجهة معاً بفارق الأهداف.
فروسيا التي لم تستثنِ أيّاً من المنظمات السورية من لائحة الإرهاب تواجه تصنيفاً مختلفاً لها لدى واشنطن والدول الخليجية، وهو ما يفتح الباب مجدّداً أمام تضارب المصالح بين أطراف المواجهة عينها من دون إغفال ما يمكن أن يتسبّب به ذلك من صداماتٍ محتمَلة، فتتكرّر المواجهة التركية – الروسية في أيّ لحظة وأيّ منطقة سورية أخرى.
ثمّة مَن يقول إنّ الغرب يدرك ذلك ويتفرّج على الدب الروسي وهو ينزلق أكثر في المستنقع السوري ويراهن على عامل الوقت. ويرون أنْ ليس بقدرة روسيا خوض المواجهة وحيدة والى أجلٍ غير محدّد، فأوضاعها الإقتصادية لن تسمح لها بخوض مواجهة طويلة الأمد.
لذلك يتحدثون عن معادلة جديدة ستنشأ قريباً لتتحكّم بقدرتها على الإستمرار في عملياتها ما لم تنجح في إنهاء الوضع بالسرعة القصوى التي تتمنّاها ودون ذلك مصاعب جمّة وحواجز ليس من السهل عبورها.
وهو ما دفع بواشنطن ودول الحلف الى انتظار اللحظة التي يُعلن فيها بوتين عن عجزه عن الحلّ منفرداً، وهو موعد لن يكون باعتقادهم بعيداً، لتنتقل الى مرحلة جديدة سيكون فيها نقاش حول الأولويات وربما سيفرض الغرب عندها أجندة جديدة تدفع بروسيا الى التخلّي عن الأسد لصالح إدارة المرحلة الإنتقالية، وهو ما ينعش المسارات الديبلوماسية والسياسية الأخرى. والى تلك اللحظة ستكون الكلمة للطائرات والصواريخ التي تعجّ بها الأجواء السورية من كلّ هويّات العالم.