IMLebanon

هل تتحمّل طهران الخسارة في اليمن وسوريا؟

 

ليس صعباً على بعض المراقبين العسكريين والديبلوماسيين الربط بين ما يجري على الساحتين اليمنية والسورية. فالمتحالفون والمتحارِبون على هاتين الساحتين هم أنفسهم. يخوضون المواجهة بوجهَيها الإقليمي والدولي وبالعناوين الإستراتيجية نفسها. وطالما أنّ إيران هي القاسم المشترَك على الساحتين فقد يُطرح السؤال: هل يمكن لها أن تسجّلَ انتصاراً أو تتحمّل الخسارة على الساحتين معاً؟ وما الذي يقود الى هذه القراءة؟

يصرّ مراقبون عسكريون وديبلوماسيون يتعاطون في يوميات الحربين السورية واليمنية على اعتبار أنّ انسحابَ الولايات المتحدة الأميركية من الاتّفاق النووي الإيراني أنهى كل مشاريع الفصل بين الأزمتين التي دعت اليها جهات دولية.

فالطرح الأميركي الذي ربط بين التعديلات المقترَحة على التفاهم النووي والدور الإيراني خارج الحدود الجغرافية للدولة أعاد التلاحم بين مختلف هذه الملفات وجعلها حزمةً واحدة ليس سهلاً تناولُ أيٍّ منها بمعزل عن الأخرى وبات ملفّ «الصواريخ البالستية» الإيرانية واحداً من وريقات الملف وجزءاً لا يتجزّأ منه.

ولذلك يصرّ المراقبون على النظر الى تطوّرات الأزمتين بتزامن وتوازن على وقع إجراء مقارنة فعلية بين احداثهما وتحديداً لجهة التطورات المحتملة التي يمكن أن تؤدّي الى اختلال التوازن في موازين القوى على الساحتين.

وانطلاقاً من هذه المعادلة، لا يمكن تجاهل مجرى العمليات العسكرية على الساحة اليمنية والتي سجّلت لقوات الحلف الإسلامي التي تقودها السعودية تفوّقاً ملحوظاً على الخطّ الساحلي المطلّ على البحر الأحمر بعدما باتت القوات الإماراتية التي تقود هذا المحور ومعها حلفاؤها وقوات عسكرية من الجيش اليمني الموالي للرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي أُعيد تجميع صفوفه بعد اغتيال الحوثيين لصالح على مسافة كيلومترات من مدينة الحديدة ومينائها الإستراتيجي الواقع تحت سيطرة الحوثيين ما ينبئ باحتمال تسجيل نصر استراتيجي على الحوثيين الذين أطلقوا حملة عسكرية لا سابق لها للدفاع عن المدينة بعد تفكّك وانهيار وحدات موالية لها كانت تسيطر على محيط المدينة والطرق الرئيسة المؤدّية اليها.

والى ما هو مرتقب من تطوّراتٍ عسكرية في اليمن، أوحت الغارات التي شنّتها طائرات «الحلف الإسلامي» على صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون بوجود قرار كبير بتغيير موازين القوى في الحرب اليمنية والتي يمكن أن تؤدّي الى كسر شوكة الحوثيين الذين كثّفوا من ضرباتهم الصاروخية البالستية على المدن والقواعد العسكرية والمطارات السعودية تزامناً مع حجم المأزق الذي بدأت تعاني منه على اكثر من جبهة في الحرب اليمينة وهو ما استدرج العالم الغربي الى اتّخاذ خطوات عسكرية وسياسية وديبلوماسية تساند الرياض في معركتها على الساحة اليمنية التي تشكل خاصرتها الجنوبية – الشرقية.

وفي مقابل التطورات اليمنية لا يمكن تجاهل التفاهمات التي تقودها موسكو لترتيب الوضع في الجنوب السوري على طول الحدود مع الجولان المحتل لتجنّب أيّ مواجهة عسكرية إسرائيلية ـ إيرانية والتي بلغت ذروتها مع اسقاط احدى الطائرات الإسرائيلية في سماء الجولان والتي تطوّرت نحو مزيد من العمليات العسكرية الكبرى والتي ترجمتها إسرائيل بالضربات الجوّية والصاروخية البعيدة المدى التي استهدفت وما زالت تستهدف بين وقت وآخر مواقع تجميع القوات الإيرانية وحلفائها من «حزب الله» والتي طاولت حتى الآن شبكات الدفاع الجوّية السورية وقواعد الطائرات الإيرانية المسيّرة ومخازن اسلحتها الصاروخية في مطار «تي فور» وفي جزء من مطار دمشق وقواعد وثكن أخرى في ارياف حمص وحماه ومحيط العاصمة السورية.

وعليه، لا يمكن لأيٍّ من المراقبين الفصل بين هذه التطوّرات على الساحتين السورية واليمنية والتي رفعت من وتيرتها الإجراءات الأميركية التي تلت إنسحابَ واشنطن من الاتّفاق النووي الإيراني تزامناً مع بوادر الخلافات الإيرانية ـ الروسية حول بعض الملفات الخاصة بالأزمة السورية والتي يمكن أن يزيد من حدّتها إصرار موسكو على الأخذ بالمطالب الإسرائيلية القائلة بسحب الوحدات الإيرانية والقوى الموالية لها من جنوب دمشق وبعمق يزيد على 50 كيلومتراً من الحدود في الجولان المحتل وعلى طول الحدود الأردنية ـ السورية وصولاً الى بوادر شمول الطلبات الإسرائيلية الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، والتي بدأت القوات الروسية بمعالجتها في القلمون السوري ومنطقة القصير تمهيداً لتمركز وحدات مختارة من اللواء 11 من الجيش السوري بطريقة مشابهة لتلك التي تريدها موسكو على الحدود الجنوبية مع إسرائيل والأردن.

ما هو ثابت من كل جداول المقارنة بين ما تشهده الأزمتان السورية واليمنية بما خصّ الوجود الإيراني فيهما ومعه حلفاؤه، أنّ طهران تواجه حرباً قاسية مزدوجة على الساحتين تزامناً مع فتح ملفها النووي مجدداً والتهديد بالغائه تزامناً مع فرض مزيد من العقوبات الدولية الإقتصادية والمالية وهو ما يضعها في عين العاصفة مجدداً، خصوصاً إذا ما بات حلفاؤها الروس في وضع المراقب أو العدوّ في بعض اللحظات التي يتجاهلون فيها هذه الضغوط عليها ولا يساندونها في أيٍّ من الساحتين، لا بل فهم يطالبونها بمزيد من التنازلات في أكثر من مجال اقتصادي وعسكري وديبلوماسي.

ثمّة مَن يقول إنّ القيادة الإيرانية تدرس عرضاً سرّياً يدعوها الى التساهل في اليمن لإقفال ملف الحرب هناك لمصلحة السعودية مقابل احتمال أن تحتفظ بشيء ممّا حققته في الأزمة السورية والعراق وهو ما يضعها بين فكّي كمّاشة دولية تفتقر فيها الى حليف صلب.

لكن مَن يعرف القيادة الإيرانية يدرك جيداً أنها والى حين، قادرة على مثل هذه المواجهة ولكن ليس لأمد بعيد. فبداية انسحاب الشركات الأوروبية الصناعية والنفطية العملاقة من الساحة الإيرانية عدا عن تجميد كثير من العقود الدولية التي أبرمتها في العالم وخصوصاً في قطاع النقل الجوّي والصناعي الثقيل، سيفرض على القيادة الإيرانية إجراءَ حسابات أخرى أكثرَ دقة وهو أمر قد لا يطول لمعرفة توجّهاتها الجديدة في المنطقة.

والى أن تظهر ردودُ فعل إيران وقياس ما فيها من قبول للتراجع عن طموحاتها الخارجية أو المضي في هذه المواجهة القاسية والصعبة. ستبقى هناك مجموعةُ أسئلة مطروحة بلا أجوبة واضحة عليها.

ومنها على سبيل المثال لا الحصر: هل يمكن أن تقبل إيران التضحية بنفوذها في الساحة اليمنية مقابل أن تحتفظ بشيء منه في الساحة السورية؟ وفي حال العكس هل يمكن إيران أن تعيد قلب الموازين لمصلتحها في اليمن مع احتفاظها بالمكاسب التي حقّقتها في سوريا؟ وهل يمكن أن تخسرَ إيران في الساحتين معاً؟ وكيف سيكون ردّ فعلها في أيٍّ من هذه الحالات؟