لم يتمّ حتى الآن التوافق على أي من قوانين الإنتخاب التي طُرحت خلال الأشهر الأخيرة، لا «التأهيلي» ولا «المختلط» «الأكثري» ولا «النسبي» على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر متوسّطة وغير ذلك، الأمر الذي يجعل قانون «الستّين» المرفوض من قبل مكوّنات سياسية عدّة، يفرض نفسه على الساحة الإنتخابية مع انتهاء المهل القانونية. ورغم علم جميع القوى السياسية في البلاد أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عَمَد في منتصف نيسان الماضي (13 منه) الى استخدام المادة 59 من الدستور التي تعطيه صلاحية تعليق انعقاد المجلس النيابي مدّة شهر واحد خلال العقد التشريعي العادي، في خطوة غير مسبوقة بهدف إعطاء المزيد من الوقت لها لكي تتوافق على القانون الأفضل للمرحلة الراهنة، فهي لم تستفد من هذه الفرصة بل لا تزال تُراوغ وتهدر الوقت سدى.
فكلّ التقسيمات التي تمّ اقتراحها في القوانين المتداولة أظهرت، بحسب أوساط ديبلوماسية مراقبة، وجود شرخ كبير بين الطوائف والمذاهب اللبنانية رغم الحديث عن تسوية أوصلت العماد عون الى رئاسة الجمهورية وأعادت النائب سعد الحريري من الخارج ليرأس حكومة «المصلحة الوطنية». فالخلافات لا تزال على حالها، مع العلم أنّ اللقاءات والإجتماعات الثنائية والثلاثية لم تتوقّف بهدف إخراج البلاد من المأزق الذي تشهده.
وأكّدت بأنّ اللاءات الثلاث التي يتمسّك بها الرئيس عون صوناً للدستور واحتراماً للقوانين والأعراف، بدأت إحداها بالتراجع لا سيما من خلال إعلانه في قصر بعبدا أمام وفد من نادي الصحافة بتسليمه بالقانون النافذ لدى انتهاء كلّ المهل القانونية للتوافق على قانون جديد وذلك حماية للجمهورية من الفراغ. فالفراغ لن يحلّ بعد انتهاء المهل، ولا التمديد الذي بات أيضاً غير ممكن، ما يجعل قانون «الستّين» يتقدّم على ما عداه من القوانين المطروحة، كما يكسر اللاءات ليفرض نفسه كـ «نعم» لا بديل عنها.
وبرّرت تخلّي الرئيس عون عن إحدى لاءاته أي «لا لقانون الستّين» بأنّه قام بكلّ ما بوسعه لحثّ المكوّنات السياسية على أداء مهامه، غير أنّه لا يُمكن أن يحلّ مكانه لوضع قانون الإنتخاب، علماً أنّه يفضّل قانون النسبية الذي يسمح يتمثيل الأكثرية والأقليات في كلّ الطوائف من دون تهميش أو إقصاء أي طرف. وفي المقابل، لا يستطيع فرضه إذا ما كانت بعض القوى لا تزال ترفضه ولا تقدّم عنه أي بديل.
إلاّ أنّ هذا الواقع، بحسب الأوساط نفسها، لن يُرضي الشعب اللبناني، كما أنّه سيُضعف العهد الذي يريد القيام بانطلاقته الفعلية بعد الإنتخابات وبعد تشكيل الحكومة الثانية له. ولهذا تجد بأنّ المعرقلين لولادة قانون جديد للإنتخابات يريدون الإطاحة بالعهد وعدم إحداث أي تغيير سياسي فعلي. ولكن لا يجب الوقوف هنا أمام الحائط المسدود والتسليم بالأمر الواقع بل تكرار المحاولات من أجل تأمين التوافق.
وتكشف بأنّ بعض الإجتماعات التي تحصل في مقرّات الأفرقاء السياسيين، بدأت تطرح بشكل جدّي مساوئ الوصول الى تطبيق القانون النافذ أي «قانون الستيّن» على الوضع العام ككلّ في البلاد. ولهذا تعمل على تقديم إقتراحات مقبولة منها تعديل هذا القانون ليتخذ شكلاً جديداً ما دامت الغالبية موافقة عليه في المبدأ، وما دام رئيس الجمهورية شخصياً «يقبل» به مرغماً في نهاية الأمر لتجنيب البلاد أسوأ الشرور أي الفراغ والتمديد.
ومن ضمن الإقتراحات التي يجري البحث فيها، على ما كشفت، هو تعديل قانون العام 1960 ليكون أقرب الى تطبيق «اتفاق الطائف» لجهة الإصلاحات السياسية التي نصّ عليها مثل اعتماد المحافظة وإجراء الإنتخابات النيابية خارج القيد الطائفي. غير أنّ مثل هذا الطرح سيكون أصعب من التوافق على قانون جديد للإنتخاب، ولهذا قد يتمّ اللجوء الى الإبقاء على قانون الستّين على نحو ما جرى تعديله في الدوحة أو القيام بتقسيم جديد للدوائر إرضاء لبعض الأطراف.
وتجدر الإشارة الى أنّ القانون الذي صدر في 29 أيلول 2008 بعد الموافقة عليه في مجلس النوّاب، وهو القانون الذي أُجريت على أساسه الإنتخابات النيابية الأخيرة في 7 حزيران 2009 اعتمد على تقسيم الدوائر الإنتخابية الى صغرى على أساس القضاء (وليس المحافظة) مع تقسيم بيروت الى ثلاث دوائر وجمع بين بعض الأقضية، ما جعل من لبنان 26 دائرة إنتخابية. كما احتوى على إصلاحات أخرى مثل إجراء الإنتخابات في جميع الدوائر في يوم واحد بدلاً من أن تُجرى كما في السابق في أربعة أسابيع متتالية، فضلاً عن مراقبة حجم الإنفاق لكلّ مرشح وإنشاء هيئة متخصّصة للإشراف على مراقبة هذه الإصلاحات.
وإذا كان التعديل الجديد لن يتمكّن من إقرار تخفيض سنّ الإقتراع إلى 18 عاماً بل سيُبقي على سنّ 21 لاعتبارات عدّة تتعلّق بتغيير غير محسوب للنتائج، إلاّ أنّه سيُصرّ على مشاركة المغتربين بالتصويت كتجربة أولى يجري تطويرها في كلّ دورة إنتخابية.
في الوقت نفسه، تجد الأوساط نفسها أنّ العودة الى قانون الستّين، وإن جرى تعديله وفق دوائر جديدة وإضافة بعض البنود إليه، لن يكون ضربة للعهد فقط، إنّما سيُبقي على القانون المفصّل على قياس القوى السياسية ولن يُحدث أي تغيير مطلوب لجهة التمثيل العادل والصحيح للشعب في المجلس النيابي، وهنا الخطورة. فقانون الستّين الذي وُضع في عهد الرئيس فؤاد شهاب أُريد منه بناء الدولة وتجديد الطبقة السياسية عن طريق تحويل القادة والزعماء الى مرشحين لا يسيطرون على اللوائح والناخبين، وإتاحة الفرصة كذلك لتمثيل مرشّحين جُدد… إلاّ أنّ نتائجه أظهرت وضع أيدي الزعماء على مناطقهم، ما جعل شهاب يُصاب بخيبة الأمل، إذ كرّسهم القانون في السياسة وعطّل مشروع بناء الدولة من خلال عدم توفير أي فرصة لتجديد الطبقة الحاكمة.. وهذا ما أكثر ما يُخشى منه حالياً.