الإجتماع الرئاسي في القصر الجمهوري الذي تشخص إليه عيون اللبنانيين الى ما سيتمخض عنه، بعد أسبوع من التأويلات والتفسيرات لسلسلة من المواقف والعبارات لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. وإذا كان ما طاول الرئيس نبيه بري من حصة وازنة ونوعية من العبارات لا يمكن إلا إدراجه في إطار الصراع على الإستئثار واستغلال المؤسسات، وقد عبّرت عنه مفردات شريط الفيديو الشهير، فإنّ ما طال حزب الله في مجلة الـ «Magazine» والمتعلّق بمواقف الحزب الداخلية التي لا تتناسب مع مصلحة الدولة أو في الحديث لتلفزيون الميادين حول عدم وجود خلاف عقائدي مع إسرائيل أو ما يُقال عن الجزء الذي لم يتمّ نشرة من الفيديو ، يتنكر لأساسيات ورقة التفاهم مع الحزب ولما سبق أن اعتبر من الثوابت والمسلمات في السياستين الداخلية والخارجية، بالرغم من كلّ الأدبيات التي ساقها الحزب بمناسبة الذكرى الثانية عشر لاتّفاق مار مخايل.
تبدو كل التبريرات التي سيقت حول ردة فعل حزب الله المُستهجنة على تصريحات الوزير باسيل غير مقنعة. القول إنّ هذه الردود تقع ضمن سيناريو تعويم الوزير باسيل مسيحياً لمصالح إنتخابية غير واقعي، إذ لا يُعقل أن يقبل حزب الله أن يعوّم الوزير باسيل على حساب موقع الرئيس بري، كما لا يُعقل أن يكون مسوغ تعويم الوزير باسيل هو إذكاء الحساسيات الطائفية. وبالمقابل فالقول إنّ من مصلحة لبنان الذي سيواجه المجتمع الدولي في مؤتمرات روما 2 وباريس 4 وبروكسيل، أن يستبقها بجملة مواقف تؤكّد وجود تمايز مع حزب الله، هو من قبيل ذرّ الرماد في العيون. فالمجتمع الدولي الذي سبق أن أكّد في باريس خلال اجتماع مجموعة الدعم الدوليّة على مجموعة من الشروط ، يدرك أنّ الحكومة اللبنانية لم تتمكن من الإلتزام بأيٍ منها وفي مقدّمها النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية. بالإضافة إنّها تذهب الى هذه المؤتمرات مثقّلة بملفات النفايات والكهرباء والهدر .
ما قيل قد قيل وما كُتب قد كُتب، وما رشح عن أجواء الإجتماع الرئاسي، الذي قد لا يُشارك فيه الرئيس سعد الحريري، أنّ ليس هناك برنامج مسبق، بما يوحي أنّ الجهة الراعية للإجتماع هي نفسها التي فرضت اللقاء البارد في بلدة الحدث بكلّ ما تخلله من قبلات باردة وشبك أيادي صوري، وهي نفسها التي رعت الإتصال الهاتفي بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب. نتائج الإجتماع الرئاسي لن تأتي خارج السياق التنازلي للعلاقة المترديّة بين الرئاسات الثلاث والتي ستستظل تصريح وزير دفاع العدو الإسرائيلي ليبرمان حول البلوك النفطي رقم 9 للتمكّن من الخروج بنقطة مضيئة واحدة في البيان الذي سيصدر عن الإجتماع .
المجتمعون في القصر الرئاسي اليوم مدعوون لقراءة إنفراط عقد الحلفاء في لبنان في ضوء تصريحات نتانياهو التي تراجعت عن التهديد بوقوع حرب على الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، وألقت على إسرائيل مهمة التصدي لنفوذ إيران وتنظيم الدولة الإسلامية، وهم مدعوون لقراءة تصريحات الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري إنّه «يستعدّ لحرب في المنطقة وأنّ الجيشين السوري والعراقي يشكّلان عمقاً استراتيجياً لطهران، لا سيّما في سياستها للإشتباك مع العدو من بُعد».
هم مدعوون لقراءة إنفراط عقد الحلفاء في لبنان في ضوء كلّ العثرات والإرباكات التي تعيد خلط الأوراق في الميدان السوري ومنها إسقاط الطائرة الروسية فوق إدلب بما يوحي برفع كلفة الحرب في سوريا وإعادة صورة أفغانستان الى الميدان السوري، بعد فشل مفاوضات جنيف وسوتشي.
المجتمعون في القصر مدعوون لقراءة إنفراط عقد الحلفاء في لبنان في ضوء التطورات الميدانية في الميدان اليمني لصالح القوى الشرعية والتصميم الأميركي على قيادة حملة دوليّة ضد النظام السوري المتورط مؤخراً في استعمال الأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق.
في ضوء كلّ ذلك ما هو الممكن فيما سيُفضي إليه الإجتماع الرئاسي في بعبدا، وهل يُمكن للعطار أن يُصلح ما أفسده الدهر!!؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات