IMLebanon

هل يطوي تأليف الحكومة مرحلة السجالات الكلامية بين الأطراف

تهدئة الخطاب السياسي والحد الأدنى من الانسجام ضروريان لإنتظام العمل الحكومي

هل يطوي تأليف الحكومة مرحلة السجالات الكلامية بين الأطراف

 

تكمن أهمية الحقائب الوزارية وتأثيرها في مسار الحكومة وتلبية حاجات النّاس من خلال ما يمكن للوزير الذي يتولاها من إثبات وجوده وتعبئة مركزه

 

يأمل اللبنانيون بعد انتهاء مسار تأليف الحكومة المتواصل منذ ما يقارب الخمسة أشهر ان تطوى مرحلة السجالات العبثية والحروب الكلامية التي تخللت الأشهر الماضية، وتنطلق الحكومة العتيدة بتناغم وانسجام بين مكوناتها المتنافسين ولو بالحد الأدنى، كي تستطيع ممارسة مسؤولياتها والسير قدماً في إدارة البلد والقيام بما هو مطلوب منها لتحقيق النهوض الاقتصادي والمباشرة بتنفيذ المشاريع الحياتية الملحّة للمواطنين وتلبية حاجاتهم ومتطلبات عيشهم اليومي.

ولا شك ان قساوة الحملات السياسية المتبادلة وتسعير الخطاب السياسي بين الأطراف السياسيين المتنافسين تحت عناوين وشعارات مختلفة قد أثرا سلباً على علاقات بعض هذه الأطراف وساهما في توتير العلاقات في ما بينها وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وبين «التيار الوطني» و«تيار المردة» أيضاً، في حين لم تشهد علاقات باقي الأطراف تصعيداً للخطاب السياسي في ما بينها بالرغم من جنوح بعضها لانتقاد البعض الآخر أو توجيه رسائل سياسية من وقت لآخر ولكن ضمن حدود معينة لم تصل إلى ما بلغته بين «التيار الوطني» و«القوات».

ولا بدّ من تهدئة الخطاب السياسي بين كل الأطراف حين التئام الحكومة المقبلة وجلوس كل الوزراء على طاولة المجلس، والتخلي عن لغة السجالات والاتهامات المتبادلة بعدما استحصل كل طرف على موقعه وحقائبه الوزارية في الحكومة الجديدة والتهيؤ للانتقال إلى مرحلة العمل والانتاج الجدي بعد إضاعة مرحلة الخمسة أشهر الماضية في لعبة التنافس على الحقائب والاحجام والمواقع في محاولة لإبراز مكانة هذا الزعيم لدى جمهوره أو لإظهار قوته وقدرته في الاستئثار بأكبر حصة وزارية ممكنة، أكانت بعدد الوزراء أو بنوعية الحقائب الوزارية التي استحصل عليها.

فلا يصح ان يدّعي هذا الفريق السياسي الفوز أو تحقيق الانتصار على خصومه أو خصمه السياسي على طاولة مجلس الوزراء ويتعامل معهم على هذا الأساس، لأن اعتماد مثل هذا النهج والخطاب السياسي الاستفزازي يثير مشاعر الآخرين ويحفز الخصوم السياسيين، أياً كانوا على الرد بخطاب سياسي أعنف، ما يعني تحويل مجلس الوزراء إلى ساحة خلافات سياسية حادّة وإلى مكان للتراشق، قد يعيق عمل المجلس ويكبل انطلاقته للقيام بكل المسؤوليات المترتبة عليه والتي تتطلب حداً معقولاً من التنسيق والتفاهم بين مختلف مكوناته لتسيير أعمال الحكومة والانطلاق قدماً للمباشرة فعلياً في معالجة المشاكل القائمة وتلبية حاجات الناس في مختلف الحقول.

وتكمن أهمية الحقائب الوزارية وتأثيرها في مسار الحكومة وتلبية حاجات النّاس من خلال ما يمكن للوزير الذي يتولاها من إثبات وجوده وتعبئة مركزه وما يقدمه للمواطن، وليس عكس ذلك، أي عدم استطاعة وزير آخر من القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه وتسيير أمور وزارته حتى ولو كانت الوزارة التي يتولاها على قدر كبير من الأهمية والتصنيف المرتفع المستوى بين سائر الوزارات الأخرى.

ففي الوزارة المستقيلة حالياً بعض الوزراء الذين لم يتركوا بصمات مضيئة في العمل الوزاري، أكان من ناحية الأداء الوزاري على طاولة مجلس الوزراء أو خارجه وحتى التعاطي السياسي العام أو بالتعاطي إيجاباً مع حاجات النّاس والاهتمام بمطالبهم وشؤونهم.

فالبلد لا يحتمل مزيداً من التشنج وتأجيج الخلافات السياسية من أي طرف كان في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة المرتقبة، لأن استمرار مثل هذا النهج في التعاطي السياسي لن يكون عاملاً مساعداً لعمل الحكومة بفريق سياسي متفاهم مع بعضه البعض كحد أدنى للقيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، بل سيؤدي حتماً إلى تسميم الأجواء السياسية ويوتر العلاقات بين الأطراف المتصارعة وقد ينعكس سلباً على عمل الحكومة واندفاعها لمقاربة الملفات المهمة والضرورية ويزيد من نقمة النّاس المتصاعدة ضد هذه الأطراف على وجه التحديد، كما سيؤدي إلى خسارة المزيد من الوقت دون طائل.

لذلك، ما كان يصح في مرحلة تشكيل الحكومة للصراع على المواقع وتحديد الاحجام والتمترس وراء المطالب والتشبت بالشروط التعجيزية توطئة للاستحقاقات المقبلة، أكانت نيابية أو رئاسية وما شابه، لن يتلاشى كلياً وقد يمارس بأساليب وطرق أخرى، إن كان للتأثير بقرارات الحكومة أو بسياستها أو للاستئثار بالمشاريع والمواقع والوظائف الحكومية الرفيعة، ولكن في كل الأحوال لن تغيب عن الممارسة السياسية داخل المجلس أو خارجه وقد تكون أقل حدة أو تتماهى مع الظروف السائدة لكي لا تعطل عمل الحكومة ومهماتها في المرحلة المقبلة.