Site icon IMLebanon

هل يتحرَّك مارد الشارع؟

 

يترنح لبنان على شفير الانهيار الاقتصادي والمالي في ظل أزمة سيولة  الدولار الخانقة والتي ضغطت على شتى القطاعات الحياتية، لا سيما ان حركة الاستيراد هي عصب الأسواق اللبنانية، وبدأت صرخة التجار تعلو مع تعقيدات الاستيراد بالدولار والبيع بالليرة، ووصول أسعار صرف الدولار الى ١٦٧٠ واحيانا ١٧٠٠، في ظل فوضى وهلع خاصة ان العديد من المؤسسات التعليمية فرضت تسديد أقساطها بالدولار  في حين تتهرب المصارف من تأمين العملة الصعبة لزبائنها وتشجع على السحب بالليرة فقط.

 

اما إشاعة الرعب من أهداف محتملة جديدة للعقوبات الاميركية فهو تضخيم لتأثيرها، في حين ان الواقع المفلس للدولة قد سبقها بأشواط، والتلكؤ في تحقيق الإصلاحات ومكافحة الفساد كانت السبب الأساسي في ترك الساحة الداخلية مشرعة لشتى أنواع النهب ان كان من الصفقات والمحاصصات او من جهة تغطية المعابر غير الشرعية والتي أدت الى شح الدولار في الأسواق اللبنانية بعدما نشط التهريب الى سوريا بغية تخفيف وطأة الحصار المالي المفروض عليها… اضافة الى رفع فاتورة استيراد المحروقات والطحين  على الدولة اللبنانية بعدما ثبت تهريبها بكثافة أيضا… اذا، لم تكن المطالبة بضبط الحدود موقفا سياسا بل ضرورة وطنية أظهرت الأحداث الاخيرة انها كلفت اللبنانيين لقمة عيشهم ووقود سياراتهم، بعد أزمة البنزين التي تنذر بالتصعيد، ومدارس اولادهم حيث باتت المدرسة حكرا على فئة دون أخرى، في دولة بلغت اللاعدالة الاجتماعية والأخلاقية فيها اعلى مستوياتها، حيث الطبقة السياسية تستمر باستغلالها للعصب الطائفي الذي يعاني منه شعب دفع خمسة عشر عاما ثمنا له ولا يزال مستعدا للمزيد فداء للزعيم والقضية الموهومة!

 

إن الجدال الذي شهدناه على القرنة السوداء اظهر هشاشة واقع العيش المشترك، وكأن الكانتونات واقع يحاول كل فريق وضع يده على اكبر بقعة من الأرض ويتفضل فيما بعد لضمها لتشكل لبنان الوطن… مخزية المواقف الضناوية والبشرانية على حد سواء حيث انها مسخت معلم طبيعي وطني بامتياز لقطعة ارض متنازع عليها للاستفادة من خيراتها، بدل من ان تتضافر الجهود لانمائها وتطويرها لتكون واجهة الوطن الحضارية بعيشها المشترك وبطبيعتها الفريدة من نوعها، تماما كما اتحدت التيارات المسيحية التي حولتها السياسة لألد المنافسين، للاعتراض على سحب الحكومة لمشروع إنمائي يعود لمنطقتي المتن وجبيل بسبب عدم توفر التمويل بالوقت الحالي.

 

نشط الرئيس الحريري في زيارات الى المملكة العربية السعودية لجذب إيداعات من شأنها إعادة الثقة بالبيئة الاستثمارية اللبنانية، ثم توجه الى فرنسا للقاء الرئيس ماكرون للتنسيق حول مجرى أموال سيدر، محاولا إقناعه والدول المانحة بجدية الإصلاحات التي بدأت وسوف تستمر، يقابله من جهة اخرى مشاركة الرئيس عون في نيويورك بأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث اطلق مواقف هامة من ناحية الأعباء الهائلة التي يتحملها لبنان بسبب أزمة النزوح ومن ناحية حق لبنان بالدفاع عن نفسه في مواجهة اي عدوان اسرائيلي، بشتى الطرق بما فيها سلاح المقاومة… الا ان اكثر ما كان لافتا وسجلته الصحافة الأجنبية والوفود المشاركة كان حجم الوفد اللبناني والفنادق الاغلى التي اعتمدت لإقامتهم، في حين ان رؤساء الدول المانحة كانت في أماكن اكثر تواضعا، اضافة الى المآدب التي أقيمت دون أسباب وجيهة ودون عائد مالي بالمقابل، الى ما هناك من بذخ متعمد وكأن لبنان بأفضل حالاته الاقتصادية، مما يعيد مصداقية الدولة في سد منافذ الهدر ومكافحة الفساد الى مربع الشك الاول لدى المجتمع الدولي، ويظهر ان الطبقة السياسية تجاوزت الرأي العام اللبناني منذ زمن وهي على موجة بعيدة عن نبض الشارع كبعد الشرق عن الغرب!

 

لم يعد من حلول بعدما انهكت الأزمات المتتالية كاهل اللبناني، من سيولة وبنزين وغلاء معيشة وتلوث وافتقار لأدنى مقومات العيش الكريم، سوى وعي المواطن ان الانتماء الأعمى للطائفة والزعيم لم يعد يجدي، لانه اذا سقط لبنان، لن يبقى من وطن لنتظلل به وستطرح كل القضايا التي قضى ايمانا بها الآلاف من اللبنانيين في بازارات البيع والشراء والتجارة الربحية مع حصرية البيع لجيب الزعيم… ولم يفت الأوان ليستعيد اللبنانيون بعضا من زمام المبادرة عبر المساءلة والتمرد على حالات فساد أصبحت واقعا بسبب غياب المحاسبة والتستر على أعراض الطائفة التي انتهكت يوم انتهكت حرمة الوطن!