لا يجوز أن يبقى البلد من دون حكومة بالرغم مما يعرفون جميعاً أن هناك التزاماً وإستحقاقاً (بل إستحقاقات كثيرة) على صلة بقيام حكومة ذات وضع سوي في البلاد.
تدور مساعي التشكيل في حلقة مفرغة إلاّ من العناد. أو إنها كانت تدور بعدما بدا أنّ آخر العاملين على الحلحلة، أي الوزير جبران باسيل، بات على طريق «الإستقالة «من المسعى الذي كلّفه إياه رئيس الجمهورية في محاولة للإسهام في حل ما عرف بـ«العقدة السنية» منذ التزم أمين عام حزب اللّه، سماحة السيد حسن نصراللّه، بأن يكون لهؤلاء النواب وزير يمثلهم في الحكومة العتيدة.
وأمس بالذات تدارست كتلة الوفاء للمقاومة النيابية هذه العقدة واتخذت قراراً بالإصرار على تمثيل هؤلاء النواب في الحكومة.
حتى الآن تبدو الأبواب كلها مقفلة في وجه الحلول. فالنواب الستة مصرّون على أن يتمثلوا «بأي واحد منا وبأي حقيبة، لا يهم، فالمبدأ هو التمثيل «، كما قالوا ويقولون ويردّدون.
بدوره الرئيس سعد الحريري لم يتزحزح عن قراره عدم تمثيلهم. وهو موقف اتخذه منذ اليوم الأول ولم يتراجع عنه، وليس في الأفق ما يدعو الى أنه سيبدّل من موقفه في طالع الأيام الآتية.
والنتيجة أننا لا زلنا في صلب أزمة عدم تشكيل الحكومة، بينما أخذت تلوح في الأفق نذر تشكيل كتلة جديدة من النواب المسيحيين «المستقلين» البالغ عددهم بضعة عشر نائباً، ليطالبوا بأن يتمثلوا، هم أيضاً، في الحكومة. فلا يقتصر التمثيل على تكتل «لبنان القوي والتيار الوطني الحر، وكتلة «الجمهورية القوية» – القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع، أو كتلة «المردة» وحلفائها بقيادة النائب الجديد طوني سليمان فرنجية. حتى إذا إجتمع «المسيحيون المستقلون» فعلاً وطالبوا عملياً بأن يتمثلوا في الحكومة برزت عقدة جديدة. ولكن مثل هذه العقدة لا يمكنها أن تفعل في مسار التأليف سلباً أو إيجاباً، كون هؤلاء النواب «مكشوفين» يفتقرون الى غطاء مثل الذي يحظى به زملاؤهم النواب السنّيون الستّة الذين يغطي خطواتهم الثنائي الشيعي وليس حزب اللّه وحده. ذلك أن الرئيس نبيه بري يصرّ بدوره على حتمية توزير أحدهم.
الى أين من هنا؟
الجواب البدهي: الى المزيد من التعقيد، والمزيد من تأخير التأليف، والمزيد من الشرذمة، والمزيد من وضع لبنان على المحك أمام العالم، والمزيد من هدر الوقت من عمر العهد الذي يُقال إن سيّده بات مقتنعاً بأن ثمة قراراً ساري المفعول يستهدفه مباشرة، ويتمظهر في مجالات عديدة وليس فقط في عرقلة تشكيل «الحكومة الأولى».
وفي تقديرنا أن لدار الفتوى دوراً لابدّ من أن يكون مهماً وفاعلاً في هذا المجال. ولا نطلب كثيراً إذا طالبنا صاحب السماحة المفتي دريان بأن «ينزل» بقوة الى الميدان بهدف التوصل الى حلحلة العقدة السنية. أما كيف يكون ذلك؟ فلسنا نحن من يملك الجواب ولسنا، في المطلق والمبدأ، من يقول لسماحته كيف يتصرف وهو صاحب العقل الراجح والكلمة المأمول أن تكون مسموعة.