منذ سنوات يكثُر طرحُ ملفات الفساد وتغرق الدولة في مديونية عامة قد توصل إلى الإنهيار التام. لا بنى تحتية ولا أيّ قطاع رسمي «ماشي»، فيعاني المواطن لتأمين حاجاته الأساسية على رغم من أنه يؤدّي واجبَه المواطني من دفع الضرائب الى الرسوم على أنواعها… في هذا البلد، حيث يستمرّ الوزراءُ في خرق القوانين، تتوقّع حين تطرح سؤالَ كم مرة أُقيل وزير أو طُرحت الثقة بوزير أو سقطت حكومة بطرح الثقة؟ أن يكون الجواب عشرات المرات. إلّا أنّ الجواب هو: ولا مرّة. فهل يُشكّل المجلس النيابي الحالي سابقةً بطرح الثقة بوزراء؟
من البديهي في دولة القانون وفي الأنظمة الديموقراطية، التزامُ تطبيق القوانين ما أن يُقرَّها مجلس النواب وتسلك مسارَها التنفيذي. لكن في لبنان، هناك حاجة الى تشكيل لجنة نيابية لمتابعة تنفيذ القوانين غير المُطبّقة، بسبب إهمال الوزراء أو عدم رغبتهم في التزامها. وإضافة إلى القوانين التي أصدر الوزراء أو مجلس الوزراء مجتمعاً مراسيمَها التطبيقية، هناك قوانين يتجاهل الوزراءُ أو يتعمّدون عدمَ إصدار مراسيم تطبيقها.
ومنذ عام 2002 إلى الآن، هناك 52 قانوناً غير منفّذة، أهمها القوانين الإصلاحية البنيوية التي تساهم فعلياً في مكافحة الفساد والحدّ من الهدر في المال العام. أمّا عدم تنفيذ القوانين أو خرقها فيتمّ عبر إمتناع مجلس الوزراء أو وزراء عن تعيين مجالس إدارة أو هيئات ناظمة، أو عدم إصدار المراسيم التطبيقية لسلوك القوانين مسارَ التنفيذ.
وتتابع لجنة نيابية برئاسة النائب ياسين جابر تنفيذ هذه القوانين وتبحث في إعداد اقتراحِ قانون يرمي إلى تعديل مواد بعض القوانين غير المُطّبقة لتسهيل تنفيذ أحكامها، مثل قانون منع التدخين في الأماكن العامة. كذلك، تُعدّ اللجنة أسئلة إلى الوزراء المعنيين بتنفيذ القوانين وتستعرض الأجوبة على الأسئلة التي ترِدُها من الوزارات، ومن ثمّ تحضّر ردوداً على هذه الأجوبة، وتلاحق الوزارات التي لم تجِب على الأسئلة المرسلة إليها.
لا تنحصر القوانين غير المُطبّقة بالـ52 المعروفة حتى الآن، بل في كل جلسة لها تكتشف اللجنة قوانين جديدة غير مطبّقة ومعظمها تنظيميّة تخفّف من الفساد لأنها تعيد هيكلة المؤسسات، وبالتالي لا مصلحة للوزراء في تطبيقها، لأنها تحدّ من صلاحياتهم المطلقة.
ومن أبرز القوانين الـ52، قانون منع التعذيب في السجون، ولو كان هذا القانون مطبّقاً لما قضى أخيراً السجين حسان الضيقة جرّاء التعذيب، إضافةً إلى قوانين تنظّم: الكهرباء، الإتصالات، الطيران المدني، سلامة الغذاء، الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، تعبئة مياه الشرب وغيرها.
إلى ذلك، هناك قوانين كانت تطبَّق سابقاً وأوقف وزراء تطبيقها، مثل القانون الذي أنشأ مؤسسة كهرباء لبنان كمؤسسة مستقلة لها مجلسُ إدارتها، وينصّ على أن يكون وزير الطاقة والمياه وصيّاً عليها فقط.
ويسأل جابر عبر «الجمهورية»: «كيف يُطبَّق هذا القانون وقد أُلغي مجلس الإدارة وأصبح الوزير متمحكّماً بكل شيء؟».
على الصعيد العملي، وجهت اللجنة 13 سؤالاً إلى الحكومة، أحدها لرئيس الحكومة يتعلّق بالمؤسسات التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، و12 سؤالاً للوزراء المعنيين حول القوانين غير المطبَّقة والمراسيم غير الصادرة المتعلقة بوزاراتهم.
وتلقّت اللجنة إلى الآن 3 أجوبة من أصل 13. ويقول جابر إنّ «جوابين من الثلاثة مقنعان وأتيا من وزيرَي البيئة والإقتصاد، أمّا الجواب الثالث غير المُقنع فهو من وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني». ويوضح أنّ اللجنة توجّهت إلى البستاني بسؤال مفصّل يمتدّ على صفحات عدة، إلّا أنّ الوزيرة لم تجِِب إلّا على نقطة واحدة من النقاط المُثارة وهي الهيئة الناظمة. وكان جوابها: «غيّروا القانون لتصبح هناك هيئة ناظمة»، مستندة إلى أنّ القانون 181 ينص على أن تُشكَّلَ الهيئة الناظمة عند تعديل القانون».
وإذ يسأل جابر: «إذا كانت الوزيرة متمسكة بالقانون فلماذا لم تُشكِّل مجلسَ إدارة للمؤسسة؟ يؤكد أنّ «جوابَها مُجتزَأ وغيرُ مقنع».
عدم التزام الوزراء تطبيق القوانين يُعتبر مخالفة فاضحة للدستور، إذ إنّ من أبرز مهمات الحكومة حسب المادة 65 من الدستور، السهر على تطبيق القوانين. كذلك تنص المادة 68 من الدستور التي تحدّد مهمات الوزير، على أنّ الوزير هو رأس السلطة لأجل تطبيق القوانين.
ولتأمين تطبيق القوانين يُمكن للجنة النيابية توجيه أسئلة إلى الوزراء ومن ثم إستجوابهم وصولاً إلى طرح الثقة بهم. ويؤكد جابر أنّ اللجنة المكلفة متابعة تنفيذ القوانين «إتّخذت قراراً بالإكمال في المسار الدستوري إلى النهاية، وسنحوّل الأجوبة غير المقنعة التي تردنا من الوزراء إلى إستجوابات… وصولاً إلى طرح الثقة بوزراء إذا لم نصل إلى النتيجة المرجوّة». ويشدّد على أنّ «أهمية سلوك المسار الدستوري وطرح الثقة يكمن في فضح الوزير أمام الرأي العام».
الحرص على تطبيق القوانين هو إحدى المحطات الرقابية المعني بها مجلس النواب، فإضافةً إلى عمله التشريعي له دور أساسي هو الرقابة على الحكومة.
ووفق المادة 37 من الدستور: «حقُّ طلب عدم الثقة مطلق لكل نائب في العقود العادیة وفي العقود الاستثنائیة». لكنّ «النظام الطائفي» عطّل هذا المسارَ الدستوري الرقابي. وعن سبب عدم طرح مجلس النواب الثقة بالوزراء، يقول المرجع الدستوري الوزير والنائب السابق إدمون رزق لـ»الجمهورية»: «في الأنظمة حيث هناك نواب وزراء في الوقت نفسه، وفي ظل حكومات وحدة أو وفاق وطني، تتحول العملية البرلمانية عملية سياسية خارج المجلس وتصبح محاصصة، وهي تتنافى مع النظام الديموقراطي. وفي هذه الحال، إنّ إقالة وزير أو استقالته أو حجب الثقة عنه لا يُمكن أن تتمّ إلّا من خلال التكتل الذي يمثله».
ويرى رزق أنّ «الدستور ضحية ما يُسمّى التوافق، وهناك نظام هزيل قائم على المحاصصة والتسويات وعلى تفاهمات خارج الدستور والمؤسسات».
ما قبل «اتفاق الطائف» وتعديل صلاحيات رئيس الجمهورية لم يكن هناك حاجة الى طرح الثقة بوزير، إذ حين يكون هناك عدم رضى على عمل وزير، كان يُجرى تعديل وزاري أو تستقيل الحكومة، فكان يوعز رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة بتقديم الإستقالة، لأنه كان يتمتع بصلاحية مطلقة بالتعيين والإقالة. إضافةً إلى أن عمر الحكومات كان قصيراً بالنسبة إلى حكومات ما بعد الـ1990، وكان معدّل عمر الحكومة قبل «اتفاق الطائف» يراوح بين السنة والسنة ونصف السنة.
أمّا الآن، هل ستتحقّق سابقة طرح الثقة من خلال اللجنة النيابية المكلَّفة متابعة تطبيق القوانين؟
يجيب البعض أن في ظل الحكومة الحالية التي تشكّل مجلساً مصغّراً للمجلس النيابي، من الصعب توقٌّع طرح الثقة بالحكومة أو حتى بوزير، فالمَسّ بوزير من طائفة أو تكتل معيّن سيؤدي إلى «النكايات السياسية» وطرح الثقة بوزراء من جهات سياسية أخرى.