Site icon IMLebanon

هل تحتاج المنظومة الدفاعية اللبنانية للمقاتلين من «الهزارة»؟  

هناك مقولات وشعارات ومواقف كثيرة أدرجها زعيم «حزب الله» في خطابه السياسي – التعبويّ – الكفاحيّ عبر السنين، وعرفت طريقها إلى التطبيق، بمعنى الاختبار على أرض الواقع، وهناك مقولات وشعارات ومواقف عديدة أيضاً سال حولها الحبر الكثير، ليتبيّن لاحقاً أن لا مسلك لها إلى حقل الاختبار، وأنّها من دواعي «الحرب النفسيّة» على الأكثر. فلا «الحرب المفتوحة» التي توعّد بها اسرائيل في شباط 2008 جاءت مفتوحة، وما افتتح بدلاً منها كان حرب الاستنزاف السورية بعد ذلك بسنوات، وإلى سنوات من الآن، ولا يبدو أنّ تدخّل الحزب فيها يميل للانحسار في القادم من سنوات أيضاً، ولا الجهوزية لمعركة اقتحام الجليل ظهرت عليها بوادر تطبيقية.

بقي شيء أساسي عندما يتعلّق الأمر بلوازم «الحرب النفسيّة»، وربّما كان الأدق الحديث عن «الحرب المعنويّة»، هو أنه يلزم قدر من التروي والاحتراز لتحديد الطرف المعني، الذي يوجّه له الحديث في كلّ مرّة. مثلاً: إذا كان السيد حسن نصر الله يتكلّم عن الترسانة الصاروخية للحزب وأن دائرتها باتت تطال المنطقة الموجود فيها مفاعل ديمونا، فهذا يعني أنّه يتوجّه بحديثه هذا للعدو، للردّ على تهديداته بتهديدات مضادة، وتشكيل نوع من «توازن رعب» على ما درجت التسمية، وبصرف النظر عن نسبة الواقعي إلى الرمزي إلى المتخيّل في توازن الرعب هذا، وعن الطابع الإفتراضي حكماً لأي توازن رعب.

أما عندما يتوعّد السيد اسرائيل «بفتح الأجواء لمئات الآلاف من المقاتلين من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان إذا شنت إسرائيل حرباً على سوريا أو لبنان» فمن التسرّع بمكان الاستخلاص بأنّه يتوجّه بكلامه فعلاً إلى اسرائيل، أو أقلّه، أنه يتوجّه حصراً لها، ومن الخطأ البناء على هذا التسرّع لحصر المسألة بكون السيد يتجاوز مرة جديدة مرجعية الدولة اللبنانية، وسلاح الحزب متجاوز لها في طبيعته، ولا يحتاج الأمر لتظهيره على الدوام لا سيما بعد التجربة السورية لهذا السلاح.

ليست قليلة تشكيلة البلدان التي أتى على ذكرها السيّد. أولاً لأنه لا يتحدّث عن حملة مناصرة مستقبلية في حال وقوع حرب اسرائيلية شاملة على سوريا أو على الحزب، بل عن مقاتلين يجتمعون في منظومة يقودها الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، وكتائب بشار الأسد مضاف إليها الدفاع الشعبي في سوريا، والحوثيين في اليمن، و»حزب الله» وامتداداته «السراياوية» في لبنان. اللافت طبعاً زجه لإسم ثاني أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكّان، والدولة المسلمة الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً، وذات الأكثرية السنية، باكستان، في هذه المعمعة. ربّما كان يشير إلى متطوّعين من الأقلية الشيعية في باكستان، أسوة بالمئات من الشيعة الهزارة القادمين من أفغانستان للحرب والموت في سوريا، والذين «وُطّن» قسم منهم في حارة اليهود القديمة في دمشق. لكن بالمحصلة، علاقة كل هؤلاء المقاتلين الذين يتكلم عنهم السيّد بالأنظمة القائمة في بلدانهم تختلف من حالة إلى أخرى. في ايران هم النظام، لا زاد ولا قلّ. وفي العراق، هناك طبعاً اتجاه رسمي لإسباغ الحشد الشعبي بلون من ألوان الشرعية، لكنّ هناك خطاً مضاداً يميل أكثر فأكثر للظهور، ومن رحم الأحزاب الشيعية الكبرى في العراق نفسها، كلما تقلصت رقعة «داعش»، وينادي بتحكيم مرجعية الدولة العراقية وجيشها النظامي، ولا يعتبر أن «الحشد» وجد ليبقى بعد زوال «داعش». أما في اليمن، فأن يعبر الحوثيون إلى لبنان، انفاذاً لكلام السيد، إذا ما حصل العدوان الإسرائيلي، فهذا يناقض الكلام عن حصار مطبق على مناطق سيطرة الحوثيين وقوات صالح في الهضبة اليمنية والسواحل. أما باكستان، فإنّ كلام السيد، بالنيابة عن شعبها، والإشارة إليها بالإسم، يطرح علامة استفهام بل أكثر من علامة. صحيح أن العلاقات بين ايران وباكستان مركبة ولا يمكن ان تختزل ببعد واحد، وفيها عناصر تلاقٍ وعناصر تنافر، لكن في الحد الأدنى ليس هناك «خوشبوشية» تتيح مثل هذا الكلام. والطريف أيضاً أنّه بعد كل تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لا يتوعّد السيد اسرائيل بمقاتلين يأتون من وادي النيل أو شمال أفريقيا ولا من فلسطين والأردن للدفاع عن سوريا ولبنان، بل من باكستان وأفغانستان. اذاً؟

اذاً السيّد يحتفل بشيء ما، يحتفل بـ «التواصل الجغرافي» الممتد من الهزارة في غرب أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية ببيروت، بعد «التلاحم» بين مقاتلي الحشد الشعبي وقوات آل الأسد و»حزب الله» في نقطة حدودية في البادية السورية ـ العراقية. هو يحتفل بمعطى مذهبي إقليمي شامل ويزجه زجاً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، نفياً للطابع العربي للصراع، لا بل نفياً لكونه صراعاً عربياً اسرائيلياً من الأساس، وجعل هذا الصراع مناسبة، مناسبة لكلام عن صراع بين خطّي «خير» و»شر» مذهبيين يجتازان تاريخ الحضارة الإسلامية منذ العصور المبكرة وإلى اليوم، وليست اسرائيل الحالية سوى طارئة عليه، وأداة فيه، بحسب هذا المنطق.

لمن موجّه الكلام إذاً؟ للبنانيين. هل يتخيّل اللبنانيون تطبيق هذا الكلام: مقاتلون مذهبيون من الأقلية في باكستان وأفغانستان، ومن الأكثرية في ايران، ومن المجموعة الأكبر في العراق، ومن مجموعة ضمن مجموعة بين مجموعات في اليمن، تعبر الحدود اللبنانية، للذود عن «حزب الله»؟ هذا في البلد الذي خاض ربع قرن في البحث عن قانون انتخاب، وأتى بواحد معقّد، مقعّر، يحتاج لمراس في «الخوارزميات» لفهمه، كي تكون كل طائفة راضية عن حصّتها؟ فلماذا كل هذه العناية الفائقة، الدقيقة، بحصص الطوائف التمثيلية، في بلد يمكن أن يدخله «مئات آلاف المقاتلين» المذهبيين، المؤدلجين بواحدة من أيديولوجيات الخلاص الشمولي المبتكرة في نهاية القرن العشرين؟ لنشر قيم التنوير والعقلانية والعلمانية والحداثة فيه؟ لبناء دولة الحق والدولة القوية القادرة؟ هل تحتاج المنظومة الدفاعية عندنا لمقاتلين من «الهزارة»، الذين اضطهدوا في أرضهم، وأتى منهم نفر للمشاركة في اضطهاد السوريين في أرضهم هم أيضاً؟!

كلام نصر الله غير موجّه هنا، بقصد «تطبيقي»، بل بقصد لفت نظر، إلى ان الخارطة المذهبية الإقليمية تغيّرت. والحال أنّ هذا التوجه رغم كل شيء بإمكانه أن يكون فاتحة لمناقشة، مبناها، من الجهة المقابلة، أنّه، لا تغرنّك الخارطة يا سيّد: أيّاً كان الإعتداد بـ «عمق مذهبي» يصل إلى الهزارة في أفغاستان، وأياً كان موقفك من أخصامك في الداخل، فإنّ وضعاً أكثر تماسكاً في الداخل، مبني على شيء من التواضع حيال المتغيرات الإقليمية، قادر على حمايتك أفضل من آلاف الآتين من بعيد.. أو من «السيرة الهلالية».