الأقدمية تُعطى تقديراً لأعمال باهرة في الحرب أو حفظ الأمن أو اشتباك مسلح في الداخل
هل يحرق «مرسوم الضباط» المراكب بين قصر بعبدا وعين التينة؟
عجلة سعاة الخير متوقفة وتصعيد «الميلاد» يفتح الأزمة على كل الاحتمالات
هل احترقت المراكب على ضفتي قصر بعبدا وعين التينة، أم ان الأبواب لم توصد بعد بالكامل في وجه الساعين إلى ردم الهوة الكبيرة التي احدثها مرسوم الضباط الـ194 بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه برّي؟
المتابع لمسار الاشتباك السياسي القائم على خلفية هذا المرسوم بين السلطتين الأولى والثانية يلحظ بأن العماد ميشال عون ذهب بعيداً في معركة المرسوم وهو استخدم كافة أسلحته بشكل مبكر في هذه المعركة، فيما قال «بأن سنة الاقدمية للضباط محقة وإذا كان من اعتراض لأحد فليتفضل إلى القضاء»، وكأنه بذلك قد اقفل أبوابه امام أي مسعى خير لاحتواء هذه الأزمة وترك أمر البت بالحل فقط للقضاء.
من الطبيعي والمنطقي ان يسارع الرئيس برّي ان يرد على الرشق الناري الذي جاءه من العماد عون من امام باب البطريركية المارونية – بكركي وبالمثل لكنه لم يقفل الأبواب بالكامل امام محاولات التفتيش عن المخارج التي تحفظ الميثاقية والصلاحيات حيث قام بتنفيذ مواقف عون، مبدياً ملاحظاته عليها مؤكداً بأنه ليس بهذا الاسلوب يكون تعاون المؤسسات، صحيح ان ردّ الرئيس برّي كان عنيفاً، لكنه لم يحجب عن رئيس الجمهورية صفة الراعي للمؤسسات، مستمراً من ترك الأمر لحكمته وقضائه، لكنه في الوقت نفسه لوّح بأن المخفي أعظم، وهي رسالة واضحة لمن يفهم الأمر بأنه ما زال في جعبته الكثير من الأسلحة التي يمكن ان يشهرها في سبيل إعادة الأمور إلى نصابها الدستوري على حدّ ما يؤكده مقربون منه.
إن ما صدر عن الرئيس عون وما جاء في مضمون ردّ الرئيس برّي عليه يُؤكّد بأن أزمة «المرسوم» تتجه إلى مزيد من التصعيد، وقد بدا واضحاً بأن أي فريق من أفراد الازمة ليس في وارد التراجع عن موقفه وانه ذاهب في الدفاع عن رأيه حتى النهاية وهو ما يعني ان مهمة أي ساعٍ لرأب الصدع ستكون وعرة وشاقة، مع العلم ان هناك معلومات تفيد بأن هناك من حاول القيام بهذه المهمة غير انه سرعان ما انكفأ بعد ان لاحظ ان مبادرته ولدت ميتة أو أقله لن تبصر النور في ضوء ما لمسه من صعوبات جمة تعترض طريقه، وعليه فإننا سنكون امام مرحلة سياسية شديدة التعقيد وسيؤثر ذلك حكماً على عمل المؤسسات وعلى وجه الخصوص مجلس الوزراء الذي لن يكون في منأى عن الصراع القائم بين قصر بعبدا وعين التينة، سيما وأن هناك اقتراحاً يعده وزير الخارجية جبران باسيل ويستعد لطرحه في مجلس الوزراء يتعلق بتمديد مهلة تسجيل المغتربين للانتخابات النيابية المقررة في أيّار المقبل، وهو أمر سيواجه باعتراض شديد من وزراء «أمل» من منطلق ان مثل هذا الاقتراح يحتاج إلى تعديل القانون عبر جلسة تشريعية عامة وهو بالتأكيد سيفتح الأبواب على تعديلات كثيرة ربما تؤدي إلى الاطاحة بقانون الانتخاب، وهذا الاعتراض بحسب مصادر مطلعة لن يكون اعتراضاً كيدياً بل انه يأتي من باب الحرص على القانون واقفال الباب امام الدخول في بازار التعديلات.
وتؤكد المصادر بأن الرئيس برّي ينطلق في معارضته المرسوم كون ان طريقة توقيعه لم تراع مسألة التقيّد بالطائف والميثاقية، مشدداً على انه لم يسبق ان صدر أي مرسوم لم يحمل توقيع وزارة المالية منذ توقيع اتفاق الطائف حتى اليوم، وهذا ما أكده الرئيس برّي من خلال ترحمه على الطائف والدستور والعرف وعلى مجلس الوزراء أيضاً في حال وقع رئيسا الجمهورية والحكومة وحدهما على أي مرسوم مماثل.
وعدا العبء المالي الذي سيرتبه المرسوم كون ان هناك ترتيبات ستحصل وهو ما يستدعي زيادة في الراتب فإنه يتعلق أيضاً بالهيكلية التنظيمية للمؤسسة العسكرية بحيث يؤثر على التراتبية المعمول بها في المؤسسة، لأنه سيمنح الضباط المستفيدين من المرسوم فرصة التقدم على اخوتهم في السلاح من الضباط الآخرين الذين تخرجوا في الدورة نفسها، وفي حال الوصول إلى هذه المرحلة ستصاب المؤسسة العسكرية بشظايا هذا المرسوم الذي سيخلق نوعاً من الشعور بالغبن لدى الضباط الذين تخرجوا من نفس الدورة وهذا بالتأكيد سيؤثر على طبيعة العلاقة حتى الشخصية بين الضباط، وتكشف مصادر عسكرية النقاب عن ان الاقدمية تعطى تقديراً لأعمال باهرة قام بها المعطاة له خلال عمليات حربية، أو عمليات حفظ الأمن أو اشتباك مسلح في الداخل، وتمنح الاقدمية للترقية بموجب مرسوم بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني المبني على تنويه قائد الجيش وموافقة المجلس العسكري.
وتؤكد المصادر بأن أي ترقية هي استحقاق مالي وكل ما يرتب استحقاقاً مالياً يحتاج إلى توقيع وزير المالية، وبذلك فإن المرسوم يعتريه ثلاث مخالفات: مخالفة دستورية، مخالفة قانون الدفاع، ومخالفة ميثاقية لأن الغالبية الساحقة من الذين يشملهم المرسوم هم ينتمون إلى طائفة معينة وهذا يخالف مقدمة الدستور.
وأشارت المصادر إلى ان الضباط المعنيين أعلن عن ترقيتهم إلى رتبة ملازم في العام 1994 وهم تدرجوا في الترقية خلال 24 سنة، لذلك فإن أية اقدمية تمنح لهم تصرف عن العام 94 أي من ملازم إلى ملازم أوّل فقط، موضحة انه طيلة الـ24 سنة الماضية لم يتقدّم أي ضابط من الضباط المعنيين بمراجعة امام شورى الدولة يعبر فيها عن وجود غبن لحق به.