IMLebanon

هل رسم الانسحاب الروسي خطوط تماس في سوريا؟

أربعة عناوين أساسية يمكن استخلاصها من استمرار العملية التفاوضية بين الطرفين السوريين في جنيف، وهي، وفقاً لمصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع:

ان الضغوط على المعارضة من الدول الداعمة لها للانخراط في المفاوضات والتوصل الى نتائج لا تقل عن الضغوط الروسية على النظام للغاية ذاتها، أي بحث المرحة الانتقالية.

ضغوط لتثيبت الهدنة الأمنية على الأرض بالتزامن مع الضغوط لاستكمال التفاوض وليس لمعاودته فقط.

ان التفاوض الأميركي يحصل الآن حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد مع روسيا وليس مع إيران، وكذلك التفاوض حول الوضع السوري عموماً، بكافة تفاصيله، وعلى الرغم من انشغال الادارة الأميركية بالاستحقاق الداخلي، وهو الانتخابات الرئاسية التي تقترب وتُجرى في تشرين الثاني المقبل، الا ان الادارة تقوم بجهود من أجل الضغط للتوصل الى حل سياسي في سوريا.

وتؤكد المصادر، انه لو كان فعلاً وضع النظام على الأرض قوياً، لكان وضعه التفاوضي مرتاحاً، ولكانت المفاوضات اتخذت منحى آخر. أو لكان النظام امتنع عن المشاركة في التفاوض أو لكان صعّد من مواقفه أو عمد الى العرقلة الاجرائية.

على أن الانخراط الفعلي للطرفين في العملية التفاوضية، لا يعني بالضرورة انه سيفضي الى تقدم فوري على الرغم من التفاؤل الذي يميز التفاوض. في المقابل على الأرض يوجد التزام بالتهدئة بنسبة 80 في المئة. فحصل تقديم للمساعدات الانسانية بصورة جيدة، إنما العمليات في الشمال لم تتوقف لا سيما من خلال قصف الرقة. يعني ان هناك عملاً جدياً للمضي قدماً بالتفاوض، لكن الأمور ليست سريعة، الضغوط الدولية مستمرة لإحداث اختراق في التفاوض.

أما الانتخابات التي دعا اليها النظام في نيسان الحالي، فإن لها مساراً مختلفاً بحسب ما يعتبر النظام، وهي تشكل مساراً مستقلاً عن كل ما يحصل بالنسبة الى الحل في سوريا.

تقديم الأوراق حول الحل من جانب المعارضة والنظام، يعني أن هناك معاودة تفاوض والحديث عن مرحلة انتقالية، في التفاوض جرى بحث توسيع المساهمة الانسانية، والتهدئة للتمكن من استعادة الناس لأنفاسهم.

أما العنوان الرابع، فيكمن في أن الولايات المتحدة تنسق مع روسيا حول الوضع السوري. فالدخول العسكري الروسي كان منسقاً مع واشنطن، وكذلك الانسحاب الجزئي الروسي أخيراً، وفق مصادر قريبة من موسكو. وقد تلا ذلك دفع كبير للتسوية السياسية، وكذلك تبنٍّ لها. فقد حقق الروس من تدخلهم التوازن بين المعارضة والنظام على الأرض، حيث تم دعم الأخير لكي يتمكن من «الوقوف على رجليه». كما ان الروس ساهموا في خلق خطوط تماس جديدة على الأرض، من ضمن سيناريو بعيد المدى، حيث لا يتمكن أي طرف من اعادة خلط الأمور او اللعب بالوقائع. 

وتفيد هذه المصادر، ان روسيا خلال ساعات يمكنها أن تعيد وجودها في سوريا. والآن هناك تركيز على العملية السياسية، حيث توجد جدية نتيجة التوافق الأميركي الروسي، مع أن بعض الأطراف المعنية الاقليمية لم تدعم كفاية العملية السياسية وتريد أن يستمر القتال.

لتركيا طموح حصول منطقة عازلة لا سيما في وجه الأكراد، وإيران تطمح الى مساعدة النظام للتمكن من استرجاع سيطرته على كامل الأراضي السورية، وهي ليست مقتنعة بالعملية السياسية لأنها تعتبر انها ستحرم من مناطق عديدة في سوريا، ويبدو أن الفيدرالية هي التوجه الغالب على الرغم من الاعتراضات عليها. النظام طموحاته ايرانية، وعندما جاءت روسيا الى سوريا تأكد ان موسكو هي سيدة اللعبة هناك، بعدما كان وضع النظام مأسوياً، ولو في ظل الدعم الايراني له، فخسر مناطق عدة وباتت آنذاك اللاذقية مهددة بالسقوط. أما الآن فتغيرت المعادلات، مع ان هناك اختلافاً في التكتيك بين روسيا والنظام، الذي يخشى تدهور وضعه بعد الانسحاب الجزئي الروسي.

وتؤكد المصادر، ان الانسحاب الروسي لم يتم إلا بعد وجود ضمانات أميركية لروسيا، بعدم حصول تغيير جذري في سوريا. وهذه الضمانات، بحسب المصادر ستجعل كل الأطراف الاقليمية ملتزمة بمقتضياتها. وبالتالي لن يحصل تغير استراتيجي، ولن تقوم المعارضة بهجوم على النظام وهو أمر مستبعد جداً، إلا في العمل لمكافحة «داعش» وهزيمته. وسيساعد الروس النظام ليتقدم ضد «داعش»، وبالتالي تم رسم خطوط تماس جديدة لن يتخطاها أحد. أي ان الاتفاق الأميركي الروسي اساس، وكل العوامل الأخرى هي مساعدة. ما يعني ان الروس دخلوا سوريا بشروطهم، وخرجوا منها جزئياً بشروطهم. ولم تكن خطوة الانسحاب مفاجئة للأميركيين انما من ضمن الخطوات المدروسة معهم.

يبقى الخوف الكبير من تكريس الفيدرالية في سوريا على شكل الفيدرالية العراقية، وهو أمر لمح إليه أحد نواب وزير الخارجية الروسي رياكوف، ليكون شكل نظام مستقبلياً، قبل أن يعود وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليقول ان بلاده تؤيد ما يريده الشعب حتى لو كان الفيدرالية. القرار 2254 هدفه التسوية التي يتفق حولها السوريون. ولم يحدد شكلها، انما الشعب يختار شكل النظام، وهو ما يقوله الأميركيون والروس.