Site icon IMLebanon

هل تتجرّأ الدولة على الحلول الجذرية في البقاع والشمال..؟!

تجاوز لبنان القطوعات الأمنية الأخيرة يعتبر إنجازاً جديداً للأجهزة الأمنية اللبنانية، التي تُثبت، يوماً بعد يوم، قدراتها البشرية النوعية، والتي تفوق بكثير مستوى الإمكانيات المادية والتقنية المتاحة لها.

غير أن هذا الإنجاز، على أهميته، لا يجب أن يدعنا نسترخي، أو ننام مطمئني البال على وضع البلد الأمني، لأن الإجراءات الطارئة، والمسكنات الآنية والظرفية، تبقى ضرورية في اللحظة المناسبة، ولكنها لا تُغني عن الخطط والبرامج اللازمة، لاستئصال الفكر الإرهابي من جذوره، والعمل على تجفيف مصادره، ومعالجة أمراض بيئته.

ثمة فارق كبير بين عملية خطف رجل الأعمال الزحلاوي سعد ريشا، على أيدي مجموعة من الشباب الفارين من وجه العدالة، وبين اعتقال أحد «الانتحاريين» في الشمال، وإحباط العملية الانتحارية في شارع الحمرا في بيروت.

نكاد نقول أن دوافع الخطف والإرهاب بالنسبة للشباب تكاد تكون متشابهة، خاصة لجهة المعاناة من الفقر والبطالة، ومن الجهل والتهميش، وعدم توفّر فرص الحد الأدنى للدخول إلى المدارس، وتحصيل مستويات معينة من الوعي الاجتماعي والوطني!

* * *

حادثة خطف ريشا، ليست الأولى من نوعها، وهي قطعاً لن تكون الأخيرة، طالما بقيت جذور المشكلة من دون علاج جذري ورؤيوي، يستطيع إخراج منطقة بكاملها، ومئات الألوف من عائلاتها وأهلها، من دائرة الإهمال الرسمي المتمادي، وطيّ صفحة الاتهامات ومذكرات التوقيف القضائية والأمنية، التي تلاحقهم على مرّ سنوات وسنوات!

الواقع أن الدولة اللبنانية لم تُحسن التعامل مع منطقة بعلبك – الهرمل وأبنائها، منذ فجر الاستقلال، حيث بقيت هذه المنطقة الشاسعة تعاني من الحرمان المزمن، ويكابد أهلها شظف العيش، لأسباب اجتماعية ومناخية بيئية، دفعتهم إلى اعتماد زراعة الحشيشة كمورد أساسي لعيشهم.

ومع فشل برامج الزراعات البديلة، وغياب المشاريع الإنمائية، وعجز العهود المتعاقبة على استيعاب حاجات المنطقة وسكانها، تفاقمت العلاقة بين الدولة وأهالي بعلبك – الهرمل، ووصلت في كثير من الأحيان إلى مواجهات نارية، ما زالت ذيولها مستمرة حتى اليوم.

لا داعي للاسترسال في توصيف هذا الواقع المرير، ولكن مَن يتجرّأ في الدولة على محاكاة الحلول الجذرية، لطي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ البلد؟

مَن يتبنى برنامج مصالحة حقيقية بين الدولة ومواطنيها في محافظة بعلبك – الهرمل، مع كل ما تتطلبه من خطوات جريئة: تبدأ بالعفو العام عن كل المطلوبين بزراعة أو الاتجار بالمخدرات، وتصل إلى حدّ تشريع زراعة الحشيشة ضمن ضوابط محددة، تتولى الدولة شراءها من المزارعين بأسعار تشجيعية، ليتم بيعها وتصديرها إلى شركات الأدوية العالمية، كما هو حاصل مثلاً في تركيا والمغرب، وغيرها من الدول.

وغني عن القول أن العفو المقترح لا يشمل مرتكبي جرائم القتل والتعدّي على الجيش والقوى الأمنية.

على أن تواكب هذه القرارات الكبيرة، خطة مدروسة لإقامة المشاريع الإنمائية في المنطقة، على غرار ما حصل في الجنوب في العقود الأخيرة.

* * *

وفي الجانب الآخر، أثبتت التجارب الأخيرة أن الخطط الأمنية، والأحكام القضائية، لا تكفي وحدها لاجتثاث النزعات الإرهابية من عقول الشباب، الذين دفعتهم معاناتهم المستمرة مع الفقر والجهل والتهميش، إلى أحضان التنظيمات الإرهابية، ومشغليها المحليين، مستغلين حالات اليأس والإحباط التي تسيطر على جيل كامل من الشباب في البيئات المدقعة في الفقر، وجعلتهم لقمة سائغة في لعبة التعبئة والتضليل، وعمليات غسل الأدمغة، وحشوها بكل ما هو بعيد عن الصراط المستقيم، وعن التعاليم الحقيقية للدين الحنيف.

الأجهزة الأمنية تقوم بدورها الآني واليومي على أكمل وجه، والمطلوب أن تقوم الدولة بواجباتها، وتنهض بمسؤوليتها تجاه شبابها، وتكون على مستوى الدور الوطني المطلوب!