سياسة تقرير
ابتداءً من التاسعة من مساء أمس توقفت المخابز عن العمل، فحُسم أمر الإضراب اليوم. وبالرغم من انتشار أخبار عن توقف الإضراب، إلا أن نقيب أصحاب الأفران كاظم ابراهيم، أكد لـ«الأخبار»، عند العاشرة مساء، أن الأفران توقفت بالفعل عن تصنيع الخبز، وبالتالي الإضراب لا يزال قائماً.
يكشف الإضراب عملياً عن أزمة متعددة الأطراف تشمل الأفران والمطاحن ووزارة الاقتصاد والمصارف ومصرف لبنان، لكن كما في كل أزمة من هذا النوع، فإن المتضررين هم السكان الذين بات رغيفهم رهينة المحتكرين والدولة الفاشلة. وبالرغم من التوقعات بأن لا تطول الأزمة، وأن لا تؤدي إلى شح كبير في الخبز، بعدما عمد الناس إلى تخزين الخبز والطحين في منازلهم (تضاعفت الأسبوع الماضي مبيعات الطحين للأفران)، إلا أن جرعة الذل التي أخذها الناس، وذكرّت كثراً بويلات الحرب الأهلية، كفيلة بأن لا تُعوَّض بفك الإضراب اليوم أو غداً.
إذا كانت المشكلة مشكلة نقص في العملة الأجنبية، يفترض أن تحلّ اليوم، في الاجتماع الذي يعقد عند العاشرة صباحاً بين تجمع أصحاب المطاحن ومدير القطع في مصرف لبنان، علماً بأن أصحاب الأفران سيلتقون أيضاً الرئيس سعد الحريري عند الثانية والنصف ظهراً.
بالنسبة إلى بطيش، فإن أصحاب الأفران يسعون، من خلال الإضراب، إلى الابتزاز، إذ إن أزمة الدولار لا تطالهم، خاصة أنه وعدهم عندما التقاهم الخميس الماضي بأنهم سيتمكّنون من دفع ثمن الطحين بالليرة اللبنانية، بما يلغي مبرر الإضراب، لكنهم قالوا له بصريح العبارة إن مشكلتهم في سعر الربطة، الذي يعتبرونه غير منصف بسبب زيادة أسعار المواد الأولية الأخرى ربطاً بزيادة سعر صرف الدولار. ذلك أمر لا ينكره أصحاب الأفران، الذين يؤكدون أن تراجع سعر الليرة أثّر على كل مكوّنات ربطة الخبز.
يرفض بطيش مطلب الأفران بشكل قاطع، متسلحاً بدراسة موّلها الاتحاد الأوروبي، وأجريت بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، بناءً على طلب تقدمت به المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري. وتشير الدراسة (يعتبر أصحاب الأفران أن نتائجها لم تعد صالحة اليوم) إلى أن كلفة ربطة الخبز هي 740 ليرة. ومع وضع هامش خطأ 15%، تصل الكلفة إلى 850 ليرة، وحتى مع إضافة الأكلاف الإضافية يبقى لدى أصحاب الأفران أرباح ما بين 10 إلى 12% في ربطة الخبز، وهو رقم عادل جداً بالنسبة لهم، بحسب بطيش.
بالرغم من أن أصحاب المطاحن قد أعلنوا تضامنهم مع أصحاب الأفران، إلا أن بطيش يعتبر أن العكس كان ليكون منطقياً أكثر، فالمشكلة ليست عند الأفران، الذين يدفعون ثمن الطحين بالليرة ويقبضون ثمن الخبز بالليرة، بل عند المطاحن. ولذلك، فإن الاجتماع اليوم سيخصص لحل مشكلة استيراد القمح تحديداً، خاصة أن أصحاب المطاحن يعتبرون أن الآلية التي أقرّها مصرف لبنان لا يمكن تطبيقها في حالتهم.
أصحاب الأفران يطالبون بإنقاص وزن ربطة الخبز
تعود القصة إلى نحو عشرة أيام، حين توقف أصحاب المطاحن عن قبض سعر الطحين من الأفران بالليرة اللبنانية، بسبب حاجتهم إلى الدولار. هؤلاء، بحسب رئيس تجمع أصحاب المطاحن أحمد حطيط، بدأت مشكلتهم مع إصدار تعميم مصرف لبنان الذي يفترض به أن يطلب من المصارف فتح اعتمادات بالدولار لشراء القمح والنفط والأدوية. يقول حطيط إنه قبل ذلك كانت المصارف توافق على الحصول على 10 إلى 20 في المئة من ثمن البضاعة المستوردة بالدولار، على أن تؤمن المبالغ المتبقية، لكن بعد التعميم، طلبت من المستوردين الالتزام بمضمونه. وهنا نشأت المشكلة، فبالنسبة إلى هؤلاء لا يمكن شراء القمح من خلال الاعتمادات لثلاثة أسباب:
– الاعتماد يحتاج إلى وقت أكبر من الوقت الذي تحتاج إليه باخرة القمح للانتقال من موانئ التصدير في روسيا أو أوكرانيا (في الغالب) إلى بيروت، ما يعني عملياً انتظار البواخر لأيام عديدة قبل تفريغ شحناتها، وهو ما يؤدي إلى دفع تكاليف إضافية.
– عدم القدرة على دفع قيمة الاعتماد بالليرة اللبنانية سلفاً، بسبب فقدان السيولة لدى المستوردين (!)، خاصة أن المطاحن ملزمة بالإبقاء على مخزون استراتيجي لمدّة أربعة أشهر، يبقى ثمنه عالقاً مع المصارف التي تطالب بتسديده بالدولار الأميركي، من دون أي إمكانية للتحويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار الاميركي، خصوصاً بعد صدور التعميم.
– عدم القدرة على الالتزام بدفع 15 في المئة من قيمة الباخرة بالدولار، قبل تسلّام البضاعة، لأن ذلك يعني عملياً حجز أموال طائلة بسبب الاضطرار في كل مرة إلى استيراد أنواع مختلفة من القمح المستعمل لإنتاج الرغيف اللبناني. ما هو الحل إذاً؟ بالنسبة إلى حطيط، من الأجدى الاعتماد على مسألة البوالص كما يجري عادة، بحيث تُرسل نسخة عن البوليصة (الشهادة التي تصدر من ميناء التصدير وتتضمن وزن الشحنة وكلفتها) إلى المصرف، الذي يحوّل قيمتها إلى الجهة الموردة، على أن يتم تسليمه البوليصة الاصلية فور وصول الشحنة وتسلمها.
هل سينجح اجتماع اليوم في ردم هذه الهوة بين المصارف وأصحاب المطاحن؟ المسألة بحاجة إلى ضمانات متبادلة، بحيث يضمن مصرف لبنان تأمين حاجة أصحاب المطاحن من الدولارات، على أن يضمن هؤلاء في المقابل عدم السعي إلى الحصول على دولارات تفوق حاجتهم للاستيراد.
بالنسبة إلى وزير الاقتصاد، الضمانة الوحيدة لجميع الأطراف هي في اعتماد آلية مصرف لبنان، أما إذا أصرّ المستوردون على احتكار لقمة العيش، فالرد سيكون باستيراد القمح من دولة لدولة أو عبر مناقصات عمومية تجرى في إدارة المناقصات