عندما قام ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارته واشنطن، أعلن البيت الأبيض في حينه أن الرئيس دونالد ترامب توصل مع ضيفه الى تطوير برنامج أميركي- سعودي ينطوي على استثمارات تتجاوز قيمتها مئتي بليون دولار. وجاء في الإعلان أيضاً أن هذا البرنامج المشترك سيعمل خلال السنوات الأربع المقبلة (أي مدة ولاية الرئيس) على معالجة مشكلات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا، الأمر الذي ينتهي بإقامة تحالف بين الدولتين.
في القمة العربية- الإسلامية- الأميركية التي عقدت في الرياض بحضور قادة وممثلي 55 دولة، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن تجديد اتفاق الشراكة الذي دشنه الملك المؤسس عبدالعزيز والرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت عام 1945. وانتقد ترامب في خطابه المسهب سياسة سلفه باراك أوباما الذي قوّض الشراكة الأميركية- السعودية بعد مرور أكثر من سبعين سنة، ليؤسس شراكة بديلة مع إيران، الدولة التي وصفها ترامب بأنها تغذي الإرهاب في الشرق الأوسط.
والثابت من مراجعة مضمون المداخلات التي ألقاها بعض المشاركين في القمة، أن إيران كانت مستهدفة من قادة الدول الخليجية الذين عبروا عن قلقهم من تدخلها المتواصل في شؤونهم الداخلية.
ورأى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في كلمته أن الضرورات الأمنية توجب حماية حدود البلدان من الاعتداءات المتكررة، ملمحاً الى ما يقوم به الحوثيون في اليمن. وكان بهذا التلميح يشير الى خطورة الحرب التي اندلعت بواسطة بدر الدين الحوثي الذي أقام سنوات عدة في طهران، وتأثر بالحركة الخمينية التي دعمته وشجعته على الإقتداء بالنموذج الإيراني.
يطلق الحوثيون على أنفسهم تسمية «أنصار الله». ويعتبر المراقبون أن هذه الجماعة تشكل أكبر ميليشيا في اليمن، إذ يقدّر عدد أفرادها بنصف مليون مقاتل. وهم منتشرون في صعدة وجوارها، ولكن تحالفهم مع غريمهم السابق الرئيس علي عبدالله صالح ساعدهم على التمدد باتجاه عمران ثم العاصمة صنعاء.
تتهم الرياض طهران بأنها تستغل اندفاع الحوثيين لإحداث إرباك أمني في السعودية بغرض الالتفاف على منطقة الخليج مثلما حاول أن يفعل جمال عبدالناصر. ففي عام 1962 قامت مصر بتحريض بعض العناصر العسكرية في اليمن الشمالي لإحداث انقلاب ضد نظام الإمام محمد البدر، انتهى باندلاع حرب أهلية لم تهدأ أحداثها إلا في عام 1970. أي عندما قرر اليمنيون اختيار حق تقرير مصيرهم بعيداً من التأثيرات الخارجية.
وبعكس التورط العسكري الذي استنزف قوات عبدالناصر، تدّعي طهران الوقوف على الحياد في حرب شرسة تؤمن لها مختلف وسائل الأسلحة المتطورة. وكان من نتائجها المروعة مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني، وتشويه تسعة آلاف آخرين، إضافة الى تفشي مرض الكوليرا الذي حصد عدداً كبيراً من الأطفال.
وأشار آخر تقرير رفعه المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ أحمد الى ازدياد أزمة التغذية اذ يعاني من نقص الغذاء حوالى ستة ملايين ونصف المليون مواطن من أصل 17 مليون نسمة يشكلون عدد السكان. وإضافة الى ذلك، يتحدث التقرير عن مليوني مشرد داخل اليمن، و180 ألفاً آخرين هربوا الى دول متاخمة.
مع إعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني، تفاءل الكثيرون بدوره الإصلاحي السابق الذي استفاد منه النظام لإعلان انفتاحه على الغرب. واعتبر روحاني في أول حديث له بعد إعادة انتخابه أن علاقات بلاده مع واشنطن ظلت تعاني من عدم الثقة طوال أربعين سنة. ورأى «أن موقف الولايات المتحدة كان صحيحاً عندما رضخت للحق الإيراني، وجلست الى طاولة المفاوضات لتوقيع الاتفاق النووي الذي يصب في مصلحة كل الأطراف المعنية».
وفسر المحللون هذا التعليق المتحفظ بأنه مجرد اختبار أولي بغرض اكتشاف ردود فعل المرشد الأعلى علي خامنئي، وما إذا كان في الأفق هامش واسع للمناورة مع التحالف الذي ضمته قمة الرياض، أي القمة التي وصفها حسن روحاني بأنها استعراضية لا تملك أي قيمة سياسية!
ويُستدَل من مجرى الأحداث أن وصف روحاني ليس دقيقاً بدليل أن العسكريين الأميركيين وجهوا قبل فترة قصيرة ضربة قاسية الى «كتائب الإمام علي» التي يدعمها «الحرس الثوري» الإيراني. وعلى أثر ذلك الحادث أعلنت «وكالة فارس» أن إيران سترسل ثلاثة آلاف مقاتل من «حزب الله» الى منطقة التنف لمواجهة المخطط الأميركي.
ويلاحظ قادة المعارضة السورية أن واشنطن بدأت تميل الى مواجهة إيران في سورية… والى إحراج نظام الأسد بهدف إخراجه. ومثل هذا التحول ينطبق على سياسة واشنطن في اليمن أيضاً، الأمر الذي أفقد الحوثيين التعاطف الذي كان يبديه حيالهم وزير الخارجية السابق جون كيري بتوجيه من رئيسه باراك أوباما.
قبل أسبوعين تقريباً، أمر الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» الإيراني، مقاتليه بأن يغيروا الطريق التي يسلكونها للوصول الى سواحل البحر الأبيض المتوسط (نحو 225 كيلومتراً). والسبب هو تحاشي الاصطدام مع القوات الأميركية المتجمعة في شمال شرقي سورية بحجة محاربة «داعش».
والطريق الجديدة تمتد من دير الزور الى بلدة السخنة، ومنها الى تدمر فدمشق، إنطلاقاً الى الحدود اللبنانية حيث تقوم بالحماية قوة تابعة لـ «حزب الله».
من أجل الرد على توسع النفوذ الإيراني، قررت الإدارة الأميركية التصدي لهذا النفوذ، الأمر الذي يفسر الضربة التي سددتها قوات التحالف الى قوات سورية – إيرانية كانت متجمعة قرب قاعدة التنف.
ووفق ما أعلنه قادة عسكريون أميركيون في سورية، فإن الغاية من تلك الضربة تكمن في الحاجة الى إقفال الممر الحيوي الذي يمتد من لبنان وسورية الى العراق وإيران.
وترى واشنطن أن نجاح طهران في مسعاها الاستراتيجي يبدل موازين القوى الأمنية في منطقة حساسة تجمع سورية وإيران والعراق ولبنان والأردن. لهذه الأسباب وسواها، تشعر القيادة الإيرانية بأن وجود القوات الأميركية مع قوات التحالف فوق الأرض السورية، سيعمل على دفع قواتها بعيداً من شواطئ المتوسط. وفي حال استمر الضغط، فإن انفجاراً سيكون متوقعاً في لبنان بواسطة «حزب الله» وفي غزة بواسطة «حماس» و «الجهاد الاسلامي».
تتوقع القيادة الإيرانية تحقيق الانذارات الأميركية بإلغاء الاتفاق الذي وقعته إدارة أوباما في تموز (يوليو) 2015. وهذا يعني حل التزامات إيران السابقة المحددة بعشر سنوات. كما يعني أنها أصبحت حرة في استئناف عملية التخصيب في مفاعل بوشهر وغيره. وأبلغتها كوريا الشمالية أنها على استعداد لمعاونتها في هذا المجال، تماماً مثلما تعاونت مع سورية لبناء مفاعل دير الزور.
والثابت أن الرئيس بشار الأسد كان يخشى من هجوم مفاجئ تشنه ضد بلاده القوات الأميركية التي احتلت العراق. خصوصاً أن طائرات المراقبة كانت مشغولة بتصوير الجهاديين الذين تدربهم دمشق على قتل الأميركيين، ثم ترسلهم الى العراق لتنفيذ المهمة.
ولما أوكلت عملية التنفيذ الى كوريا الشمالية، اختار خبراؤها موقعاً على نهر الفرات لبناء المفاعل، وسرعان ما نقل القمر الإصطناعي الأميركي صوره الى إسرائيل. وفي منتصف أيار (مايو) 2007 سافر رئيس جهاز «الموساد» مئير داغان الى واشنطن لإطلاع مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي على تفاصيل المفاعل الذي كاد يكون نسخة طبق الأصل عن مفاعل «يونغبيون» الكوري الشمالي. وتقرر في ذلك الاجتماع نسفه قبل أن يستكمل ويصبح جاهزاً للعمل. لذلك دمرته الطائرات الإسرائيلية قبل أن تؤدي الضربة الى انتشار المواد المشعة في الهواء وفي نهر الفرات أيضاً. وبعد مضي وقت قصير، قامت سورية بإزالة الموقع بالجرافات من دون أن تسمح لمحققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارته.
عقب إجراء بيونغيانغ تجربة صاروخية ناجحة، سئل الزعيم الشاب كيم جونغ اون عن الغاية من صنع صواريخ عابرة للقارات ومن امتلاك قنابل نووية. وأجاب عن السؤال بعبارة سريعة: لكي أحمي نفسي وبلادي من مصير يهددني كالمصير الذي قضى على معمر القذافي وصدام حسين!
ويرى المراقبون في حال نفذ الرئيس دونالد ترامب تهديده، وقرر إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، فإن طهران مضطرة الى استعجال تنفيذ صنع القنبلة النووية. وهناك مَنْ يدّعي أن القنبلة أصبحت في حوزتها بمساعدة بيونغيانغ.
كتب كينيث والتز، المحاضر في جامعة كولومبيا، مقالة في مجلة «فورين أفيرز» طالب فيها الدول الغربية بإعلان موافقتها على حصول إيران على القنبلة النووية. وقال في تبرير ذلك إن حصول باكستان على القنبلة أنهى أسباب التوتر بينها وبين عدوتها التاريخية الهند. ومثل هذا التوازن يمكن أن ينسحب أيضاً على إسرائيل وإيران، شرط أن تحصل إيران على قوة الردع التي تهدد بها إسرائيل العالم العربي منذ عام 1961. ومثل هذا الأمر يقتضي ولادة تجمع دولي جديد قوامه: إيران وكوريا الشمالية وسورية والعراق