IMLebanon

الترياق من الرياض.. قاب قوسين؟

 

طُويت صفحة المبادرة الفرنسية، التي تفرَّد «الشانزليزيه» متسرعاً بإعلانها، دون التشاور مع الشركاء الخمسة في لقاء باريس. كما إنطفأت مساعي الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بعدما خرج عن حدود التكليف الذي حمله من إجتماع الدوحة الخماسي، وذهب بعيداً في تخبطه بالتعاطي مع الفرقاء اللبنانيين، الذين قابل معظمهم رسالته الساذجة للنواب بالرفض والتنديد.

تراجع الدور الفرنسي، بعد سلسلة الإنتكاسات المتلاحقة التي أصابته، أعاد الوهج إلى المركز الأصلي والفاعل للأزمة اللبنانية، ومحوره الرياض وواشنطن بشكل مباشر، وعلى مسافة واضحة طهران، التي سيتحدد دورها على ضوء الزيارة القريبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى المملكة، حيث سيكون ملف لبنان حاضراً، كما تقول مصادر إيرانية، إلى جانب الملفات الساخنة في المنطقة، وطبعاً بعد البحث في تعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين الجارتين.

موقف الرياض المبدئي مازال على ثباته في النقاط الواردة في  البيانات التي صدرت تباعاً منذ أيلول الماضي، بدءاً من البيان الثلاثي الأميركي ـ السعودي ـ الفرنسي في نيويورك، وصولاً إلى إعلان القمة الخليجية المنعقدة في الرياض، ويضاف إليها ما صدر عن اللقاء الخماسي في الدوحة الشهر الفائت، والتي تشكل بمجموعها شبكة أمان للوضع اللبناني، تاركة للبنانيين مسؤولية معالجة خلافاتهم ومشاكلهم المختلفة، بعيداً عن التدخلات الخارجية التي تزيد الأزمات تعقيداً، وتُباعد أكثر بين الأفرقاء المحليين.

وبرزت مبدئية الموقف السعودي وثوابته في إجتماع الدوحة الخماسي، حيث عارضت المملكة الدعوة لمؤتمر حوار بين اللبنانيين، الذي كانت فرنسا تُعد له، وذلك أولاً،  لأن أرضية الحوار ومناخات نجاحه ليست مضمونة النتائج في ظل الإنقسامات الحادة بين الأفرقاء السياسيين، وثانياً لأن مثل هذه المؤتمرات غالباً ما تخلق سوابق وأعراف تتعارض مع دستور الطائف، وتسبب المزيد من المشاكل والإشكالات للسلطة اللبنانية، على نحو ما حصل بُعيْد مؤتمر الدوحة عام ٢٠٠٨.

كما رفضت المملكة في مؤتمر الدوحة الخوض في تفاصيل المبادرة الفرنسية، على إعتبار أن الأولوية الأساس يجب أن تكون محصورة في إنتخاب رئيس الجمهورية، الذي سيتولى إدارة الخطوات السياسية والرسمية اللاحقة بما فيها الإستشارات النيابية وتكليف رئيس الحكومة، والمشاركة في تركيب هيكلية السلطة الجديدة.

وجاء الموقف السعودي في إطار الحرص الدائم على صلاحيات ودور رئيس الجمهورية المسيحي في تركيبة النظام الطائفي، وبما يشكل تطميناً لمكون لبناني رئيسي على مكانته في المعادلة الوطنية، بعيداً عن المزايدات والخطابات الشعبوية، وما أكثرها هذه الأيام. مع التأكيد على عدم الخوض في أسماء المرشحين، وترك اللبنانيين ليتوافقوا على الرئيس العتيد، وفق مواصفات بيان نيويورك الثلاثي، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.

ويبدو أن محادثات وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان قد طرقت أبواب أزمات المنطقة، تاركة التفاصيل والحلول للقمة السعودية ـ الإيرانية المرتقبة. علماً أن زيارة الوزير الإيراني حظيت بترتيب إستثنائي عبر اللقاء المطول مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لم يكن ملحوظاً في برنامجه، وقضى بتمديد الزيارة يوماً إضافياً، مما يؤكد حرص الطرفين على السير قدماً في مسار إتفاق بكين، وتسريع خطوات حل الملفات الشائكة، وإعادة الأمن  والإستقرار إلى بلدان المنطقة.

وإلى أن يأتي الترياق من الرياض، يستمر تخبط الأطراف السياسية والقيادات الحزبية في لبنان، على إيقاع تصدعات في بنيوية السلطة، وإهتزازات أمنية في الشارع، الأمر الذي يجعل من مهمة الحاكمية الجديدة لمصرف لبنان أكثر صعوبة في الحفاظ على الإستقرار النقدي الهش، والمضي في بعض الخطوات الإيجابية، بإنتظار الإفراج عن تشريع الضرورة، وإصدار القوانين الإصلاحية المطلوبة من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، طبعاً بعد التعديلات اللازمة على قانون الكابيتال كونترول، وبما يضمن حقوق المودعين في القوانين الأخرى.

وثمّة من يعتبر أن من مؤشرات الترياق المتوقع من الرياض، هذا التجاوب السريع من الجانب السعودي بدعوة حاكم المركزي بالإنابة وسيم منصوري لزيارة المملكة، على غير ما كان يجري مع سلفه، أو مع العديد من الوزراء والرسميين اللبنانيين.

لقد علمتنا التجارب في الملمات السابقة، أن وصول الترياق من الرياض يعني دق ساعة الفرج، وبداية الخروج من نفق الأزمات والإنهيارات.

فهل نحن قاب قوسين أو… أبعد؟