الحديث مجدّدا عن «اتفاق دوحة جديد»، هو تمرير للقرار الإيراني بتعطيل الدستور اللبناني، طالما طهران عاجزة عن فرض أمر واقع بتغييره، الدوحة الأولى فرضها تعطيل حزب الله للدولة برمتها، فأغلق الرئيس نبيه بري مجلس النواب تهرباً من إقرار المحكمة الدوليّة، وبحجة الحكومة البتراء، وتم شلّ البلاد لمدة عام ونصف، ووصل التعطيل مداه مع دخول الرئاسة الأولى في الفراغ، وكان لبنان على عتبة انتخابات نيابيّة لم يتم الاتفاق على قانونها، وكان المطالب الأكبر بقانون الستين حليف حزب الله رئيس كتلة الاصلاح والتغيير الجنرال ميشال عون تحت عنوان «استعادة حقوق المسيحيين»، وجاء 7 أيار وغزو حزب الله للعاصمة بيروت ليفرض «الدوحة الأولى» بالحديد والنار، فعلام استند رئيس المجلس النيابي بالدعوة إلى «الدوحة 2»، في لحظة يترنّح فيها حزب الله على أرض حلب، وإيران أعجز من أن تحقّق انتصاراً في سوريا بعد كل الدماء الشيعيّة التي أراقتها هناك؟!
في 21 أيار من العام 2008 تم توقيع الدوحة الأولى وكان الاتفاق مهزلة تسبّب بها «فجور سياسي» فرضه فريق بالإكراه وبقوة السلاح على اللبنانيين، وهذا الفريق هو نفسه يختبىء هذه الأيام في الحكومة ويتلطّى خلف شرعيّتها، في لحظة يتلقّى فيها الصفعات على كافة المستويات من العقوبات الاقتصادية وصولاً إلى خسائره الهائلة في سوريا وتورطه في شؤون المنطقة كلّها، فبأيّ حقّ يناور هذه الفريق مطالباً باتفاق دوحة جديد، فيما هو يمارس مع حلفائه نفس الدور التعطيلي الذي يمارسه منذ العام 2006؟! بأيّ عين يطالبون بدوحة جديد، فيما هم يختطفون الدولة بإرهاب لا سابق له يمارسونه عبر توريط لبنان في الشأن السوري وإراقة الدماء بشكل غير مسبوق من أجل عدم سقوط المشروع الإيراني في المنطقة بعد أربعة عقود من تنفيذ مخططاته؟!
ليست مجرّد مناورة، هذا عرض مبطّن من حزب الله العاجز عن فرض رغباته، وبلغ إمعانه في تعطيل الدولة ومؤسساتها حداً بات الحزب هو نفسه محتاج فيه إلى عودة هذه المؤسسات إلى دوران عجلتها، ومجرّد الحديث عن الدوحة 2 هو تمهيد لفتح مجال لأمين عام حزب الله ليتحدّث عن العرض في خطابه المقبل، أو التلميح إلى إمكانيّة السير فيه، ففي لحظة غير مؤاتية إقليمياً ولا دولياً يريد حزب الله أن يظل الخاطف الإرهابي للدولة وللدستور اللبناني، وللأسف بعد سنوات ثمانية ذاكرة الناس تنسى ما الذي تضمّنه اتفاق الدوحة من مواثيق وتعهدات أسقطها حزب الله الواحدة تلو الأخرى، وكان طليعتها نتائج الانتخابات النيابية عام 2009 بعدما فوجىء بخسارته لتلك الانتخابات، ولنتذكّر هنا مواقف أمثال النائب وليد جنبلاط وانقلابه على الناخبين وأصواتهم وتسليمه زمام أمره بداعي الخوف إلى حزب الله كلّفت لبنان الكثير!!
من يريد الحديث عن «دوحة ثانٍ» عليه أن يتمهّل كثيراً، فاللبنانيّون لم تعد تنطلي عليهم «خدع» و»أحابيل» حزب الله، والرغبة العارمة لدى الثنائية الشيعيّة بإبقاء الدولة مرتهنة للاحتلال الإيراني الذي أوكلت إليهما مهمة تنفيذه بالسلاح وبالسياسة!!