انتخاب رئيس الجمهورية لن يحصل قبل اتفاق إقليمي – دولي ملامح حصوله لم تظهر بعد
لم يكن من المتوقع أن يخرج «اللقاء الخماسي» الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة بنتائج تفضي الى إزاحة العقبات التي تعترض انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان بشكل سريع، وأن ما تضمّنه البيان الختامي كان معلوما مسبقاً لدى غالبية هؤلاء المتابعين لمسار الأمور في ما خص الاستحقاق الرئاسي ويعرفون عمق الأزمة التي تحيط به من كل جانب.
وإذا كانت فقرات هذا البيان خضعت للتحليل والتفسير والاجتهاد في بيروت، وذهب كل فريق سياسي من خلال قراءته لما حصل في هذا الاجتماع يعطي الوصف المناسب لنتائجه وفق ما يناسب مصلحته، فان أهم ما في هذا الاجتماع انه حرّك المياه الراكدة وأعطى انطباعا بأن العالم ما زال يولي لبنان اهتمامه وأنه لم يصل بعد الى درجة تركه لمصيره، وان هناك من لا يزال يمسك بيده ويحول دون غرقه الى قعر البئر، لكن الأمور في المقابل لم تصل الى درجة تبعث على التفاؤل بإمكانية الوصول الى تسوية قريبة تعبّد الطريق أمام وصول شخصية توافقية الى قصر بعبدا، لا بل ان مفردات البيان الختامي أكدت عمق الأزمة وأنه لا مناص من خروج الأطراف السياسية من مربع النكد الذي وضعوا أنفسهم به، والإقلاع عن اعتماد سياسة الأبواب المغلقة التي في ما لو استمرت ستفاقم الأزمة وتوصل لبنان الى ما لا يحمد عقباه، وان التحرك الخارجي مهما كان نوعه لا يمكن ابتداع الحلول ما لم تلاقيه يد المساعدة من قبل اللبنانيين.
واللافت في البيان الختامي انه لم يكن محصورا بمسألة رئاسة الجمهورية وحسب وإنما أتى على ذكر الإصلاحات بشكل عام وذكر بشكل واضح الإصلاحات القضائية واحترام القانون، وأهمية تنفيذ الحكومة اللبنانية لقرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقيات والقرارات الدولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنية في لبنان، لكنه لم يأتِ في المقابل على أي حثّ للبنانيين على الحوار، مع تضمين البيان نوع من التهديد المباشر للذين يعتبرونهم معرقلين لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذه العبارة سيكون لها بالتأكيد ردود فعل ونتائج سلبية في المشهد اللبناني، وستدفع بعض القوى السياسية، إلى مزيد من التشدّد، وستجعل مهمة لودريان غير سهلة لا بل معقّدة، وخصوصا ان تخفيض مستوى التمثيل الرسمي الأميركي يؤشر بشكل واضح على ان الولايات المتحدة الأميركية غير راضية على السياسة المعتمدة من قبل فرنسا وغيرها حيال الملف اللبناني وهذا بحد ذاته حجر عثرة كبير وضع على طريق المسعى الفرنسي.
باريس على يقين بأن المساعدةالإيرانية – السعودية أساسية في نجاح مهمة لودريان في بيروت
وفق المعلومات فان الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي كان نجم اجتماع الدوحة حيث طرح على الطاولة ما يملك من معلومات ومعطيات عن الأزمة الرئاسية دوّنها خلال زيارته بيروت ووضع الأفكار التي يعتبرها الأنسب للمعالجة، سيعود الى لبنان كما هو مقرر في الاسبوع الأخير من هذا الشهر – في حال لم يطرأ ما يؤجّلها مجدّدا – بعد أن يكون قد اطّلع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على حصيلة اجتماع ممثلي الدول الخمس وكذلك على ما سمعه من وزير خارجية قطر الذي التقاه ثنائيا بعد انفضاض الاجتماع، وفي مقابل ذلك فان الرئيس ماكرون سيزوّد لودريان ببعض الأفكار والمقترحات الجديدة لمناقشتها مع الأطراف اللبنانية، وقد يترافق ذلك مع مروحة من الاتصالات يجريها الرئيس الفرنسي مع القيادة الإيرانية وكذلك السعودية طلبا للمساعدة لما لهاتين الدولتين من نفوذ فاعل في لبنان، علما ان الموقفين السعودي والإيراني لم يتبدّلا منذ بداية الأزمة، فإيران تؤكد انها لن تتدخّل في الشأن اللبناني الداخلي، والمملكة العربية السعودية لا تشاء أن يكون لها الدور المباشر، مع رغبتها في أن تستمرّ باريس في الواجهة، غير ان فرنسا تسعى لأن يكون للسعودية دور من أجل توفير الظروف المناسبة التي تسهّل العملية الانتخابية، وإيصال رئيس جديد ووضع حد للانهيار الشامل في لبنان.
بالتأكيد أن لودريان سيعود الى بيروت تحت مظلة الدول التي اجتمع ممثلين عنها في قطر وسيحمل معه ما يعتبره «الخرطوشة الأخيرة» من أفكار ومقترحات، ولكن السؤال، هل ستكون نتائج الزيارة الثانية لرأس الدبلوماسية الفرنسية السابق الى بيروت مختلفة عن الأولى؟، فإذا كان من الصعب الإجابة الآن، فان الواضح أنّ انتخاب الرئيس العتيد لن يحصل قبل التوصل إلى اتفاق إقليمي – دولي، وان ملامح مثل هكذا اتفاق لم تظهر أي مؤشرات توحي على انه سيكون قريبا.