Site icon IMLebanon

عشية “خميس الدوحة”: عملية “غسل يدين” من المتشددين!؟

 

 

حتى ربع الساعة الاخيرة الفاصلة عن موعد استئناف مفاوضات الدوحة اليوم، بقيت الأعصاب مشدودة نتيجة المخاوف من اكثر من “قطبة مخفية” قد تطيح بها. فمصيرها بات رهن أي مفاجأة تتصل بالرد المنتظر من “محور الممانعة” أو بعملية استباقية اسرائيلية. والى تلك اللحظة حل خبر الغاء وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن زيارته الى المنطقة كالصاعقة، إيذانا بفشل مساعيه تاركا المهمة على عاتق الموفدين الآخرين. وعليه، هل يمكن ان نشهد عملية “غسل يدين” مما هو متوقع؟

على قاعدة أن الرد على عمليتي اغتيال كل من اسماعيل هنية وفؤاد شكر آت لا محال، سواء كان شاملا على شكل دفعة واحدة من مختلف الجهات وعلى كل الجبهات بآلاف الصواريخ التقليدية والدقيقة والطائرات المسيرة، او بعملية ايرانية منفردة يتحدث عنها البعض لتستهدف من يتشابه في موقفه مع ضحية “عملية طهران”، على قاعدة “العين بالعين والسن بالسن” من دون ان تؤدي الى حرب شاملة لا تريدها. او من اي جبهة من جبهات “الالهاء والاسناد” من جنوب لبنان الى العراق واليمن وفي المضائق والبحار التي تحولت ساحات للواجهات باشكالها المختلفة. فان التحضيرات الاميركية والدولية اكتملت للمواجهة بطريقة تمنع وصول اي من الصواريخ التي تستهدف اسرائيل الى مجالها الجوي والمنشآت الحيوية التي يمكن ان تفجر المنطقة.

لم تعد الإشارة مستغربة، الى حال المراوحة غير المسبوقة التي تعيشها المنطقة والعالم بمقدار ما هي مملة بما حملته من تناقضات، ومعها الحديث المتنامي عن سيناريوهات “وهمية” وأخرى “همايونية” لتوقيت الرد وحجمه وشكله والرد على الرد في مسلسل لا نهاية له كما أوحت به بعض الأوساط الديبلوماسية والسياسية كما العسكرية والاستخبارية التي لا تحصى منذ ان نفذت عمليتي الاغتيال قبيل منتصف ليل 30 تموز المنصرم وفجر 31 منه وحتى كتابة هذه السطور. وهي حالات عامة ممزوجة بالقلق، على شكل الرد ومضمونه وتوقيته. وهو ما دفع الى الحملات الديبلوماسية من كل حدب وصوب لحصر ردات الفعل بما لا يؤدي الى حرب واسعة وشاملة، مع ضرورة التنبه الى معالجة الأسباب الأساسية التي أدت الى اشغال الجبهات التي اشتعلت على دفعات متتالية بفوراق بين واحدة واخرى بعد 8 تشرين الأول الماضي.

 

وفي ظل ما هو متداول من شائعات وتوقعات يبقى ثابتا ان ما جرى عقب عمليتي طهران والضاحية الجنوبية، كاد ان يقلب الاوضاع راسا على عقب لو رد “محور الممانعة” عليهما بالشكل الفوري الذي كان متوقعا إثر اي عملية من هذا النوع، وقد استهدفت رأسين احدهما سياسي والآخر عسكري من اعلى “الهرم التنظيمي” لحركة “حماس” و”حزب الله”. ولذلك راجت روايات تستثني النماذج السابقة التي رافقت اغتيال المستشارين الخمسة في قنصلية ايران في دمشق في 1 نيسان، وبعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” الشيخ صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني، ومن بعدهما ما طاول عددا من اعضاء “المجلس الجهادي” وقادة المحاور في الحزب. ولذلك تعددت السيناريوهات ذلك ان المحور لم يعترف بالتوصيف الذي اعطاه الوسطاء الدوليون للعمليتين على انهما من “العمليات الامنية” ولا تشكل خرقا في جغرافيا “قواعد الاشتباك” المعتمدة بين طرفي النزاع. فكان الرفض المطلق من طهران بأن ما حصل سابقة عدًت مسا خطيرا بالهيبة والأمن القومي الايراني لمجرد استهداف “ضيف” مميز في مقر يقع تحت السيادة الايرانية الكاملة، كما اعتبر حزب الله ما جرى في حارة حريك خرقا لكل الخطوط الحمر التي احترمها ولم يلتزم بها العدو.

 

ولذلك كله، وبمعزل عن الرد اليمني الذي لم نشهده بعد ردا على “عملية الحديدة”، سقطت تلقائيا كل التوقعات بردود شبيهة لما سبق من “عمليات امنية” وغير امنية. وهو ما ادى الى اطلاق السباق المحموم في اتجاه ما هو متوقع من ردات فعل في ظل تريث “محور المقاومة” عن تقديم اي تصور مسبق لما يمكن ان يقوم به سوى حتميته، الامر الذي أطلق حملات ديبلوماسية مكثفة خوفا من استدراج المنطقة الى “حرب شاملة” تضطر قوى دولية أخرى ان تتدخل من خلالها بطريقة تتجاوز النموذج الذي عاشته المنطقة عند الرد الايراني في 13 نيسان الماضي. ولذلك دفعت التهديدات الى اعادة حاملات الطائرات والبوارج والغواصات والطائرات الاستراتيجية الى المنطقة بالتزامن مع استنفار دولي في مختلف أنحاء المنطقة من الخليج الى البحرالمتوسط مرورا بالبحرين الأحمر والعربي وفي القواعد الاميركية في المنطقة، كما بالنسبة الى القواعد البريطانية في قبرص والفرنسية في الاردن.

 

وفي الوقت الذي اعتقد البعض ان حشد هذه الترسانة غير التقليدية في شكلها وما استحضرته من اسلحة ثقيلة قد تنهي الحرب قبل “الطلقة الاولى” منها، ما زالت الأنظار متجهة الى ما يمكن ان يقوم به المحور ترجمة للتهديدات التي أطلقت حتى اللحظة. كما بالنسبة الى ما بذل من جهود على الخط المقابل بهدف التخفيف من “الجنوح الاسرائيلي” الى دم المدنيين، الذي يقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء المتشددين عن يمينه وشماله بعدما تجاوزوا تعهداتهم السابقة بتقديم الحلول السياسية والديبلوماسية على العسكرية منها، فتجددت المجازر في حق المدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية ومراكز الايواء الاممية عدا عن التصعيد في اتجاه الاراضي السورية حيث مخازن الاسلحة والخبراء الإيرانيين وقادة الحزب.

 

وأمام هذه الخريطة الفسيفسائية التي تثير القلق مما هو متوقع وصل الى بيروت الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين من تل أبيب عن طريق لندن في مهمة وصفت بأنها في إطار التهدئة والاصرار على تقديم الحلول السياسية بين الحزب واسرائيل من دون ان يحمل جديدا تنفيذيا حسب ما كشفت مصادر من التقاهم الى درجة اعطت الحق لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تمنى لو ارجئت هذه الزيارة لمجرد انه لم يلمس اي أمل بخطوات يمكن ان تؤدي الى التهدئة وخصوصا بعدما ألغى وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن زيارته للمنطقة إيذانا بفشله، تاركا المهمة لكل من هوكشتاين وكبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك عشية لقاءات الدوحة.

 

وعليه، ييقول مرجع ديبلوماسي أن الحراك الاميركي فقد وهجه لمجرد الغاء بلينكن زيارته بعدما فشل في تعديل موقف المتشددين من الطرفين، الذي عبر عنه نتنياهو بتقييد حرية حركة مفاوضيه إلى الدوحة بالتزامن مع الشروط الجديدة لـ”حماس” الرافضة العودة الى نقطة الصفر والتمسك بـ “ورقة 3 تموز الماضي” التي قبلت بها منفردة، والكشف عن شرط رئيس المكتب السياسي الجديد يحيى السنوار بأن لا حوار ممكن قبل وقف العمليات العسكرية في قطاع غزة والإعلان عن برنامج للانسحاب الاسرائيلي منه. وكلها امور معقدة لم يحن أوانها بعد، ولا تبشر بأي خطوة تسهل مساعي الانفراج بدلا من الإنفجار وهي معادلة تعكس نظرية تقدم المتشددين للامساك بزمام الأمور من الطرفين بطريقة قد تؤدي الى “غسل ايدي” الجميع من وعود “خميس الدوحة” وما يمكن ان يقود اليه الحوار بينهما من انفراجات ما زالت حلما بعيد المنال في انتظار ما هو آت من خيارات مخيفة تطيل الحرب ان توسعت او بقيت على ما هي عليه.