انطلقت في الدوحة أمس، أعمال اللجنة الخماسية لأجل لبنان بمشاركة ممثلي: السعودية ومصر والولايات المتحدة، إضافة الى ممثل قطر الدكتور محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي، ووزير الدولة بوزارة الخارجية، والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي سبق أن زار لبنان للاستماع الى وجهة نظر الأفرقاء اللبنانيين كافة، ثم زار السعودية للاجتماع بمستشار ولي العهد نزار العلولا المكلف أيضاً بالملف اللبناني.
حتى هذه اللحظة، لم تعكس المعطيات المتوافرة لدى الأفرقاء السياسيين المجتمعين في الدوحة نتائج أو توجّهات واضحة وموحّدة، حيال الأزمة الرئاسية في لبنان..
إنّ التنسيق بين الدول الخمس حول المقاربة اللازمة للتعامل مع الأزمة، لا يعني أي خوض في أسماء المرشحين، ولا في الانخراط في ما يتوجّب على الأفرقاء السياسيين التداول به في إطار توظيف داخلي أو دعائي.
وأعتقد كذلك أنّ المسألة لن تنتهي باجتماع قطر، بل هي تكمن في الخطوات التالية للموفد الفرنسي الذي سينقل الى الإليزيه نتائج لقاءاته في الرياض، ثم في اجتماع الدوحة.
باختصار… أعتقد أنّ خماسيّة الدوحة ليست سوى طبخة بحص… وهي عبارة عن حوار لتمرير الوقت وتحديد اتجاهات المبادرة الفرنسية…
قد يظن القارئ أنّ سمة التشاؤم تغلّف مقالي هذا، وتسيطر عليه… ولكن أؤكد للجميع بأنني متفائل بطبعي، لكن هناك بعض التساؤلات التي لا بد من طرحها، وهي تساؤلات مشروعة:
أولاً: نحن نعتقد أنّ لا سبيل لتجاوز الشغور الرئاسي في لبنان، إلاّ بالذهاب الى حوار فعلي وفاعل بين الأفرقاء المتخاصمين… وفي حال كانت فرنسا لا تزال مصرّة على مبادرتها السابقة، فإنّ من الصعب تصوّر نجاحها في رعاية مثل هذا الحوار.
إنّ الحراك الدولي يبدو جدّياً، ولكن أراه «دعسة ناقصة»، لأنّ لا حلّ لمسألة الشغور الرئاسي في لبنان إلاّ بالتفاهم مع إيران وهذه حقيقة أكيدة. وأنا لا أقول: إنّ الحل الوحيد هو بيد «إيران»، ولكن لا حلّ إلاّ بموافقة إيران. وهنا أتساءل: أين هي إيران في اجتماع الخماسية في الدوحة أمس؟ وهل هناك اتصالات مع طهران لمعرفة رأيها بما يدور خارج لبنان؟
ثانياً: من النقطة الأولى التي أثرتها أُعيد الى الأذهان وتدليلاً على صحة ما أقول، ما ذكرته إلا بناء على مبادرة مصرية طرحت تشكيل مجموعة «5+1»، وهي تهدف الى ضمّ إيران الى المجموعة الخماسية التي تتولّى البحث في الملف اللبناني على أن تنتقل الاجتماعات الى الرياض.
ثالثاً: يقول المراقبون: إنّ معظم التوقعات تراوح ما بين خفض الرهان على حدوث خرق في الأزمة الرئاسية وبين تحريك هذه الأزمة لجهة العمل على خيار ثالث..
لكن حزب الله ما زال متمسّكاً بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية… وإنّ المراجعات الخارجية مع طهران على هذا الصعيد، أفضت الى موقف منها يدعو الى مراجعة «الحزب» لأنّ القرار عنده… وهذا ما يؤكد ما ذهبنا إليه من ضرورة التفاهم مع إيران بشأن الحلول التي قد تقترح.
على أي حال، يبقى اجتماع اللجنة الخماسية برأيي -طبخة بحص لا تقدّم ولا تؤخر- بانتظار معرفة رأي إيران… وهناك دليل أخر على عدم جدّية اجتماع الدوحة، هو مستوى التمثيل الذي تراجع الى درجة لافتة، ما يؤكد أنّ الحسم لن يكون هناك… فعلى سبيل المثال خفّضت الولايات المتحدة تمثيلها من مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف الى مساعدها إيڤون غولدريتش.
رابعاً: أعتقد أنّ حلّ هذه المشاكل الدولية يتطلب أمراً من اثنين:
ألف: استعمال القوة في فرض مثل هذا الحل.. وهنا أتساءل: هل هذا ممكن في الوقت الراهن… أي أن دول اللجنة الخماسية قادرة -بالفعل- على فرض حلّها بالقوة.
باء: بالإقناع المالي… من حيث ضخّ الأموال الى الأفرقاء… ومحاولة إقناعهم عبر تمويل خاص لمشاريع تابعة لهم أو لمناطقهم… أو للاستفادة منها بصورة شخصيّة؟.. وهنا أتساءل أيضاً:
هل دول هذه اللجنة قادرة على ضخّ الأموال حالياً، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية المستعصية في معظم دول العالم؟
فمع احترامنا وتقديرنا الكامل للجهود المبذولة من دول هذه اللجنة… فإنّ ما تقوم به هو جعجعة ولكن من دون طحين… أضف الى ذلك ان هناك خطوات يجب أن تلي هذا الاجتماع ومنها:
أولاً: يعتقد المراقبون ان المبادرة الفرنسية بعد اجتماع «الخماسية» في الدوحة لن تبقى أحادية، بل ستكون مرفقة بجهود قطرية واضحة لإيجاد تسوية رئاسية.
ثانياً: لن يحقق اجتماع الخماسية في الدوحة نتيجة حاسمة… لكنه أكد بما لا يدع مجالاً للشك ان الدور الفرنسي السابق من الصعب استمراره… فالمجتمعون في الدوحة تجاذبتهم وجهات نظر متضاربة… فالموقف السعودي لا يزال محايداً فيما الجانب الاميركي والقطري يميلان الى قائد الجيش جوزاف عون، الأمر الذي منع وسيمنع المجتمعين من التوصّل الى اتفاق… ما يدفعهم لترك الأمور لحوار بين الأفرقاء اللبنانيين.. ربما يعمل لودريان على ترتيب انعقاده.
منذ مدّة قرأت رواية «بانتظار غودو» «Waiting for Godo» الشخصية الوهمية التي لن تأتي أبداً… فأقول: هل بات اللبنانيون في الوقت الراهن… ينتظرون «غودو»؟