IMLebanon

قمة الدوحة بين «الغُمَة» و«الهِمَة»!

 < بعد مخاض عسير، تنعقد في الدوحة اليوم القمة الخليجية. تنعقد بعد خلاف خليجي كاد يطيح بمكتسبات 35 عاماً من التماسك والتعاون والعمل الخليجي تحت منظومة واحدة اسمها مجلس التعاون، منذ أن تأسست في أيار (مايو) عام 1981. تنعقد قمة الدوحة في ظل ظروف إقليمية حرجة. تنعقد والاضطرابات السياسية تطوق خصر الخليج، وتموج في العالم العربي، ومفاوضات إيرانية – غربية قائمة حول برنامجها النووي، وروائح الصفقة تلوح في الأفق على مرأى ومسمع من دول المجلس، وبمسعى من عضو في المجلس هو سلطنة عُمان. تنعقد قمة الدوحة والأوضاع في اليمن سيئة، وتزداد سوءاً بعد ترنح المبادرة الخليجية، وسطوة الحوثي، و«ثعلبة» صالح! تنعقد والأوضاع في مصر غير مستقرة، وفي سورية «جهنمية»، وفي العراق مقلقة، وفي ليبيا خطرة. تنعقد وجماعات العنف والتطرف تجز الرؤوس، وتُفجّر وتُكفّر وتنتشر وتتمدد، وتهدد كل دول المنطقة بلا استثناء. 35 عاماً والنتائج الخليجية الداخلية «تراوح مكانها»، بل يراها البعض «صفرية». نتائج القمم الخليجية الماضية ليست سيئة دائماً، لكنها لم تُبعد الأخطار عن دول المجلس، وإنما كانت تُخدّر الأزمات بعقاقير موضعية وقتية. لم تستطع دول الخليج على رغم مرور ثلاثة عقود ونصف العقد، خلق منظومة متكاملة متجانسة قوية قادرة على التصدي للمهددات والمحافظة على المكتسبات، على رغم أنها الكتلة العربية الوحيدة الصامدة حتى اليوم. لم تكرس دول المجلس بين شعوبها المواطنة الواحدة، كما أنها لم تتبنَ المشاركة الشعبية لمواطنيها، ولم تنجح داخلياً في القضاء على لغة الاتهام والتخوين عبر تكريس الهوية الواحدة والمواطنة الإيجابية.

تعقد القمم الخليجية سنوياً، والمواطن الخليجي في حال انتظار، واضعاً اليد على الخد، حتى «بدأ يشيب رأس من وُلد عندما أُسس المجلس»، وهو يتأمل أن تصبح قراراته وتوصياته واقعاً معاشاً وحقائق ملموسة، فالقضايا الخليجية الكبرى لا تزال مختلفاً حولها بين دول المجلس، ولا تجد الحلول النهائية. ظاهرة تأجيل القرارات لا حسمها لا تزال تلاحق القمم الخليجية في كل دوراتها، فبعض تلك القرارات اُعتمد قبل عقدين، ولم يُنفذ حتى الساعة، ناهيك عن أن مشروع الاتحاد الخليجي «الطموح»، الذي اقترحه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض 2011 قبل ثلاث قمم وحتى الآن، لم تظهر فيه مدى جدية الدول الأعضاء عدا (السعودية والبحرين)، ولا يعرف من هو المشكك، ومن هو المؤيد، ومن هو الرافض، ومن هو الراقص على مستقبله!

على رغم مرور 35 عاماً، ليست هناك عملة موحدة، أو توافق جمركي جدي، أو مواطنة واحدة، وإنما هناك ظهور لخلافات وتباينات علنية في التوجهات السياسية، إلى جانب عدم وجود بنية تحتية قوية تربط بين دول المجلس!

لم يعد قيام كونفيديرالية بين دول المجلس الست ترفاً، بل أصبح ضرورة مُلحة، ولا بد أن يكون هدفاً استراتيجياً لكل دول المجلس بسبب زيادة الأخطار والتحديات والاضطرابات وحال الاستقطاب في المنطقة، وما يشهده الإقليم من توترات وتهديدات للدول الأعضاء.

أعلم سلفاً أن «قمة الدوحة» لن تناقش مقترح الانتقال من قطار التعاون إلى الاتحاد، لكن الظروف الحرجة الراهنة والمستقبلية تستوجب التفاهم وتسريع قيام الاتحاد بين الدول الخليجية، وتفويض مسؤولياته وصلاحياته لهيئات مشتركة ذات قرار مُلزم لتنسيق السياسات الخليجية في مجالات الخارجية والأمن والدفاع والحقوق، وهذا بالطبع لن يؤثر في احتفاظ كل دولة باستقلاليتها وسيادتها على أراضيها كما هي كل «الكونفيديراليات» في العالم.

الحقيقة المرة، أن دول «مجلس التعاون الخليجي» غنية، وبعضها فاحش الثراء، إلا أنه على رغم عائداتها المالية الكبيرة من صادرات النفط والغاز، لا يزال بين سكانها من يعاني الفقر والبطالة ولا يجد مسكناً، إذ لم يستفد كل المواطنين من الطفرات الاقتصادية، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية، ولا تزال المحسوبيات طاغية، على رغم أن عدد سكان هذه الدول الست مجتمعة صغير لا يتجاوز 47 مليون نسمة، والناتج المحلي 1.60 تريليون دولار.

ليس من سبيل أمام دول الخليج إلا تكامل الجهود الرسمية والشعبية لترسيخ الاستقرار وتحصين الداخل، وفتح المجال للمشاركة الشعبية، وإشراك المواطن، بعيداً عن التذرع الدائم بوجود تحديات، لأن التحديات لا تزول، وستظل تطل برأسها من وقت لآخر.

الأكيد أنه على رغم المعوقات «البيروقراطية» أمام قرارات خليجية عدة، ومرور أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد على مرحلة التعاون من دون تحقيق إنجازات كبيرة، إلا أن ذلك لا يمنع من قيام اتحاد وفق نظام أساسي «كونفيديرالي» جديد منصته المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس. قد تكون هذه الكونفيديرالية هشة في بداياتها، لضعف ما حققه المجلس في التجانس المجتمعي والتنسيق السياسي والأعمال المشتركة والشراكة الشعبية، وبطء تنفيذ القرارات وصعوبة التوافق أحياناً، بسبب خلافات كانت «صامتة»، ثم طفت على السطح أخيراً، ولكن الحل الأنجع هو السير على عجلات قطار «الاتحاد»، وهو التحدي المنتظر أمام قادة الخليج لإكمال ما أسسه الرواد.