Site icon IMLebanon

كم سيبلغ سعر صرف الليرة نهاية 2020؟

 

طغت تداعيات “كورونا” على ما عداها، على طريقة مصيبة تغطي مصيبة أخرى، لكن المشكلة انّها لا تلغيها، بل تفاقمها وتحضّرها للانفجار الكبير لاحقاً. ومن شبه المؤكّد، انّ المآسي الاجتماعية والمالية والاقتصادية التي ستتظهّر بعد انحسار أزمة “كورونا” ستكون أشد قساوة، وضحاياها اكثر بكثير من ضحايا الوباء الخبيث.

مرّت الحكومة حتى الآن في مجموعة محطات لا توحي بالثقة، إذ نجحت القوى السياسية التي جاءت بها، في تهشيم صورتها، وسحب ورقة الاستقلالية منها، وتحويلها الى مجرد أداة تنفيذية. هذا الواقع يدفع ثمنه البلد، لأنّ الخروج من الكارثة الاقتصادية والمالية يحتاج الى حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الاحترافية، بلا تأثيرات سياسية من أصحاب المصالح الخاصة.

 

في محاكاة تستند الى الوقائع والارقام المتوفرة حتى اليوم، يتبيّن انّ العام 2020 سينتهي على النتائج التالية:

 

اولاً- تراجع الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان من 22 مليار دولار الى 12 ملياراً، بما يعني انّ الاحتياطي الإلزامي للودائع سيصبح سلبياً بما يوازي 4 أو 4,5 مليارات دولار.

 

ثانياً- سيتراجع الاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى المركزي من 18 مليار دولار كما هو اليوم، الى حوالى 16 أو 16,5 مليار دولار، بسبب تراجع حجم الودائع من 150 مليار دولار الى ما بين 135 و140 مليار دولار، بسبب استمرار النزف في السحوبات والتحويلات، واستمرار سياسة تحويل الودائع الى عقارات، مقابل شطب ديون لأصحاب العقارات في المصارف.

 

ثالثاً – تقلُّص حجم الناتج المحلي (GDP) من 52 مليار دولار الى 38 أو 40 مليار دولار.

 

رابعاً – سوف تتكدّس فوائد الدين الداخلي (السندات بالليرة) بما مجموعه حوالى 3,5 مليارات دولار، سوف تُضاف الى المتوجبات المالية على الدولة اللبنانية. بالإضافة الى الفوائد على “اليوروبوند”. صحيح انّ الحكومة جمّدت دفعها، بما يعني تجميد الفوائد ايضاً، لكن ذلك لن يمنع المقرضين من المطالبة عبر القضاء أو عبر التفاوض، بإضافة حوالى 2,5 مليار دولار كفوائد على هذه الديون خلال فترة التجميد.

 

خامساً- حجم اموال المصارف اللبنانية من العملات الاجنبية، والمتواجدة في القسم الاكبر منها في المصارف المراسلة، سينخفض الى مستويات مقلقة، وسيرتفع عدد المصارف التي لن يبقى لديها اي دولار في الخارج، في حين ستحتفظ المصارف الأفضل حالاً بحفنة يسيرة من الدولارات.

 

سادساً- مقابل شطب بعض الديون في المصارف من خلال تحويل الودائع الى عقارات، أو اغلاق حسابات صغيرة، أو إغراء المقترضين المليئين بإغلاق قروضهم من خلال إغراءات تقوم بها المصارف حالياً، سيرتفع حجم الديون المتعثرة بنسب كبيرة. ورغم انّه لا يمكن منذ الآن التكهّن برقم محدّد، لأنّ الامر يرتبط بالمدة التي سيستغرقها انحسار وباء “كورونا”، إلّا انّ المؤشرات الحالية سلبية جداً، وقد لا تقلّ نسبة الديون الهالكة عن 40 أو 50 في المئة. بما يعني انّ المصارف ستكون مضطرة الى حجز مؤونات تتراوح بين 20 و25 مليار دولار من رساميلها، أي انّ مجموع رساميل المصارف (حوالى 20 مليار دولار) التي يعتبر البعض انّها ينبغي ان تُستخدم لتغطية الخسائر عندما نصل الى مرحلة الـHaircut ، ستتلاشى لتغطية ديون القطاع الخاص الهالكة. وهنا تجدر الملاحظة انّ المصارف، وعلى خلاف عادتها، لم تُصدر حتى الآن نتائجها المالية للعام 2019. كما انّ هذه النتائج، ستكون كارثية في نهاية العام 2020.

 

سابعاً – نسبة المؤسسات التي ستضطر الى الإقفال والتصفية، أو الى طرد قسم كبير من موظفيها، سترتفع الى مستويات قياسية. وستصبح ارقام العاطلين من العمل مُرعبة، بحيث انّ استمرار استقرار الامن الاجتماعي في مثل هذا الوضع شبه مستحيل. وستكون المأساة أعمق من اي وقت مضى، لأنّ المحيط الخليجي العربي، والذي كان دائماً سوق العمل الرديف لسوق العمل الضيّق في لبنان، سيكون غير قادر على استيعاب لبنانيين جدد من طالبي العمل، بسبب الوضع الاقتصادي الذي سيلي أزمة “كورونا”، هذا من دون احتساب احتمال اضطرار لبنانيين الى ترك عملهم في الخليج بسبب الأزمة، وتراجع قدرة اللبنانيين على ضخ أموال لعائلاتهم في لبنان، بسبب تراجع مداخيلهم.

 

ثامناً- تراجع القدرة الشرائية للبنانيين بنِسب كبيرة يصعب التكهُن بحجمها بدقة، لأنّها مرتبطة بمصير سعر صرف الليرة، وهذا بدوره مرتبط بالنهج الذي سيُعتمد في التعاطي مع الودائع المجمّدة في المصارف. اذا أدّى الضغط الى تشجيع سحب الارصدة بالليرة، فهذا يعني انّ الكتلة النقدية الوطنية ستتضخّم. وبقدر ما سيتمّ التساهل في سياسة من هذا النوع، بقدر ما سيتراجع سعر صرف الليرة. وهذا الامر مُقلق للغاية، لأنّ لا سقف للتراجع، وكل التقديرات المتشائمة قد تصبح أقل من الواقع، لأنّ الأداة القياسية قد تصبح بالكيلو وليس بالرقم، ولا يُستبعد ان يدخل سعر الصرف حلقة الخمسة أرقام بدلاً من أربعة، وهذا يعني تعميم الفقر بمفهومه الحَرْفي على أكثر من 85 % من الشعب اللبناني.

 

هذه المحاكاة تعطي فكرة عامة عن الاتجاه الذي تسلكه الأزمة المالية والاقتصادية في البلد… مأساة بهذا الحجم تحتاج حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الاحترافية الصعبة في الوقت المناسب. حتى الآن، القرارات لا تبدو احترافية، بدليل ما جرى في مواضيع صندوق النقد، “الكابيتال كونترول” والتعيينات المالية، والأهم اعلان الإفلاس الفوضوي في 7 آذار الماضي، بدلاً من الذهاب الى الإفلاس المنظّم، من خلال توجيه رسالة الى المقرضين قبل 3 اسابيع من اعلان تجميد الدفع، الامر الذي كان أكسب الحكومة ورقة قوة في المفاوضات المتوقعة. وحتى الآن، من غير المفهوم لماذا اختارت الحكومة الإفلاس الفوضوي بدلاً من الإفلاس المُنظّم، رغم انّها لم تكن لتخسر أي شيء فيما لو اتجهت نحو الإفلاس المنظّم، بما يعني انّها اختارت مجاناً الفوضى التي تُضعف موقفها بدلاً من القانون الذي يقوّي موقفها التفاوضي!

 

وفي الشق المتعلّق باتخاذ القرارات في الوقت المناسب (Timing)، لا تبدو الحكومة موفقة أيضاً، بدليل انّها منحت نفسها فترة سماح حتى نهاية 2020 للبدء في تنفيذ خطة إنقاذية، لم يظهر منها حتى الآن سوى وعود بالإنجاز في الشهرين المقبلين.