IMLebanon

سوق سوداء ودليفري ومافيات في كل البلد

 

مِن دولارات القذافي إلى “العشرين ألفاً” المزوّرة

 

بعدما أصبح الدولار الشغل الشاغل للبنانيين، تحوّل كل ساعٍ إلى الربح السريع إلى صرّاف مشبوه يحاول الإستفادة من ارتفاع سعر صرفه الجنوني، أو إيجاد مصدر رزق محفوف بالمخاطر، وبإزاء هذا الإنفلات ظهرت “مافيات” جديدة من “فئة” الشباب، وانتشرت العملات المزورة بشكل واسع بيننا.

 

لا تعرف كيف تهبط عليك العروضات من كل حدب وصوب بمجرد بوحك أنّ بجيبك 100 دولار أميركي تنوي صرفها “لبناني” وبسعر مغرٍ، على الرغم من أن التخلي عنها كما الحصول عليها صعب. الكل يريد الاستحواذ على العملة الخضراء وتخزينها، ما ساهم بتوسع رقعة السوق السوداء، التي لم تعد تقتصر على الصيارفة الذين اغلقوا أبواب محالهم مرة لرفضهم الالتزام بسعر الصرف المحدد، ومرة نصرةً لزملائهم الموقوفين، فراح الكثيرون منهم يعملون من منازلهم بالسعر الذي يناسبهم، مع علمهم أن منافسين لهم ينشطون في السوق السوداء، والبعض حوّل رصيف البربير الأسبوع الماضي الى “بسطة” لشراء الذهب بأدنى سعر وبالليرة اللبنانية، وبربع ثمنها بالعملة الأجنبية “الدولار”.

 

حقيبة من المال… ومواكب مسلّحة

 

على طريقة الافلام البوليسية، تجري الأمور. مواكب سيارات فيها شباب مسلحون بحوزتهم حقيبة من المال، يتوجهون الى الطرق الجبلية أو الى أماكن فيها كاميرات مراقبة محسوبة عليهم، لتنفيذ عمليات التسليم والتسلّم. الشباب غير مدربين، يعتمدون على حدسهم وسرعة بديهتهم لانجاح عملياتهم، وقد يستعين البعض بأصدقاء لهم في القوى الأمنية يرافقونهم في خلال التنفيذ نظراً لخبرتهم، “وكلو بحقو” طبعاً، بحسب معلومات أكدها تجار الدولار في السوق السوداء لـ”نداء الوطن”. على أي حال، قد ينفد البعض بريشه، والبعض الآخر “يأكل الضرب”، تماماً كما حصل الاسبوع الماضي في حالات. وفي التفاصيل، إتصل أحدهم بعدد من الاشخاص الذين يقومون بالتصريف في المنطقة وعرض عليهم بيع 100 الف دولار اميركي بـ250 مليون ليرة لبنانية، الا أنّ جميعهم رفضوا بعد سلسلة من المفاوضات لتحديد المكان والزمان، وشكوا بأمر هذه العملية، عكس احد الشبان الذي قبل العرض. وكانت النتيجة سلبه مبلغ 250 مليون ليرة لبنانية بقوة السلاح، والاعتداء عليه بالضرب بعد استدراجه وإيهامه بتصريف المبلغ المذكور وفرّ المعتدون الى جهةٍ مجهولة. بعدها تمكنت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي من العثور على السيارة المستخدمة في عملية السلب في محيط مرفأ بيروت، وضبط داخلها 25 رزمة من الأوراق البيض بمقاييس أوراق عملة الدولار الأميركي، إضافةً إلى مبلغ 600 دولار أميركي وضعت على سطح هذه الأوراق داخل الحقيبة.

 

نجلس مع طارق، شاب اتخذ من شراء الدولار وبيعه “مصلحة” له. هو ضاعف أمواله منذ 6 اشهر عدة مرات حتّى الآن. بين الجملة والأخرى، يرن هاتفه. كلمتان لا يقول سواهما “بيع”، “اشترِ”. نسأله عن سعر الدولار اليوم فيقول 4200 “بس خف كتير الدولار بالسوق”. يسألني: “اذا بدك تشتري، طولي بالك، أنا أعلمك بالوقت المناسب”.

 

هو في الاساس يعمل بالخشب، الا انّ مصلحة الدولار جعلته ينسى عمله الأساسي، فتحول الى صراف يفهم بالاقتصاد والقانون، ويجزم أنّه لا يمكن ضبط السوق السوداء. لا يعتبر طارق نفسه خارجاً عن القانون، فحسبما يقول: “أقوم بعمليات الصرف لأحافظ على مالي وخصوصاً بعد تراجع قيمة الليرة اللبنانية، وعدم توافر الدولار في المصارف. وبالأصل قد تكون إحدى القوات الاجنبية العاملة في لبنان، أول من بدأ بعمليات التصريف، فكانت تبيع الـ100 ألف دولار بـ250 مليون ليرة لبنانية، في وقت كانت قيمة صرفه ما زالت 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، من هنا بدأنا نشعر بأنّ الأزمة قريبة”.

 

إحذروا تزوير الـ20 ألف ليرة

 

شكّل طارق فريق عمل خاصاً به، يستعين بأفراده بحسب حجم كل عملية؛ فاذا كان المبلغ ضئيلاً، تتم عملية البيع والشراء في المنازل، ولا حاجة عندها لأي مواكبة. بينما اذا فاقت عملية الصرف الـ20 ألف دولار، فعندها يرسم طارق خطة التنفيذ ويوزع المهام على فريقه المسلح. وغالباً ما يتم التنفيذ على الطرقات الجبلية، حيث يلتقي فريق الشاري مع فريق البائع ويتبادلان حقائب المال. ويضيف: “الموضوع ليس بلعبة، ويجب التفكير بكل تفصيل وأن تكون الخطة محكمة جيداً. فمثلاً اذا رفض الفريق الآخر التبادل على الطرقات، نحاول قدر المستطاع استدراجه الى مكان تغطيه كاميرات مراقبة نعرف أصحابها. وفي حال كان المبلغ ضخماً، نفضل الاستعانة بشركة خاصة لنقل الأموال لضمان العملية، وغالباً ما يستفيد أكثر من 15 شخصاً من العمليات الضخمة، لذلك نبتعد عن المخاطرة”. لا يخفي طارق تعرضه للغش في خلال عمله، ويقول “تنتشر بشكل هائل في مناطق شرق بيروت أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة لبنانية مزورة، وشخصياً تعرضت للغش بمبلغ قدره 5 ملايين ليرة لبنانية على شكل 20 ألف ليرة لبنانية مزورة. لذلك، أنصح الجميع بالانتباه الى كل ورقة 20 ألف ليرة يملكها، ويمكن التأكد منها من خلال النقاط الموجودة في أسفلها. كذلك، إثر مقتل معمر القذافي، عرف أنّ ثروته موجودة في سوريا وشمال العراق، وتمّ ادخال كمية لا بأس بها في صيف العام 2019 الى جنوب لبنان وشتورا. ويتم بيع دولارات القذافي على قيمة صرف 2000 ليرة لبنانية لكل دولار. الا انّ المشكلة تكمن برفض المصارف استقبال هذه الأموال، لكننا لم نكن نعلم بذلك، ما سبب لنا المشاكل”.

 

تزوير الشيكات

 

وإذا كان طارق تخلى عن عمله بالخشب، فالشاب جاد “معلم الكهرباء”، ترك أيضاً مهنته الاساسية، ووجه تركيزه على تجارة الدولار. لا يعمل جاد مع أي صرّاف، ولا يملك المال لا بالليرة اللبنانية ولا بالدولار الاميركي ليُصرفها على حسابه الخاص، بل يتعامل مع التجار بمختلف المجالات، تجار تبغ، تجار سيارات، وغيرهم… فالتاجر همه الحصول على الدولار لشراء البضاعة، وجاد همه الاستفادة من العمولة التي يفرضها على كل صرف. يقول جاد: “أؤمن للتاجر الزبائن الذين يملكون الدولار. هو يزودني بالليرة اللبنانية وأنا اصرّف للزبائن، وأتحكم بالصرف بحسب الزبون والكمية، أي اني قد اضيف من 50 الى 200 ليرة على سعر الصرف، ففي النهاية “الشاطر بشطارتو”. صحيح أنّ جاد لا تتوافر له المبالغ الضخمة، الّا أنّه يتبع نهج عمل طارق، بحيث يصرّف المبالغ الصغيرة في المنازل، والمبالغ التي تفوق الـ5000$ في المكان الذي يحدده. ويؤكد أنّ “سلاحي غير مرخص لكنه لا يفارقني، حتّى لو اردت تصريف 10$، ففي الاصل انا غير قادر على تأمين اي مبلغ للتاجر الذي اعمل معه في حال تعرضت للسرقة”. ويضيف: “لا أتعامل بالـ”شيكات”، فهذه عملية معقدة وغالباً ما يقوم بها “المرابون”، بالاتفاق مع بعض مدراء المصارف الذين يحصلون على حصتهم. كذلك، انتشر في السوق الكثير من الشيكات المزورة، نتيجة تصوير الشيكات وتناقلها عبر الواتساب، ما سمح للبعض باستعمال الارقام التسلسلية للشيك وتزويره ومن ثمّ بيعه”.

 

$100 مزورة؟

 

وبالرغم من التدابير الأمنية التي اتخذها جاد لحماية نفسه، الا أنّ هذا لم يحمه من عملية التزوير التي تعرض لها منذ يومين، حيث أقدم شخص من التابعية السودانية على تصريف مبلغ بقيمة 1500$، ليتبين لاحقاً أنها مزورة. يقول جاد “لحسن الحظ اني كنت قد كتبت اسم الشخص على المبلغ الذي حصلت عليه منه، فاسترجعت أموالي”. وعند سؤاله، كيف أعاد أمواله؟ أجاب: “مش مهم، المهم عالجنا الموضوع”. وكما حذّر طارق من تزوير ورقة الـ20 ألف ليرة، فنصيحة جاد “بجَمل”: “إحذروا ورقة الـ100$ التي يعود تاريخ إصدارها إلى العام 2006، فمعظمها مزور ومنتشر بكميات بيننا”.