الصرّافون يُعلّقون إضرابهم ويفتتحون السوق على 4 آلاف ليرة… رسمياً
تُعاوِد اليوم 303 مؤسسات صيرفة فتح أبوابها بعد إقفال استمر لمدة 37 يوماً. الصرافون الذين أضربوا على خلفية توقيف بعضهم بسبب عدم التزامهم بسعر الصرف المحدد من المركزي بـ 3200 ليرة، سيفتتحون السوق رسمياً على سعر ما قبل الاغلاق أي 4000 ليرة. وبغض النظر عن التبريرات التي صيغت بقالب تقني بالٍ، فإن الاتفاق المنجز بين الحكومة والصرافين يؤكد فشل كل الاساليب البوليسية والمخابراتية في آليات العرض والطلب، ويبرهن ان البقاء هو لحكم السوق الأقوى.
بتاريخ 30 أيار استقبل رئيس الحكومة وفد نقابة الصرافين بحضور حاكم مصرف لبنان. المجتمعون الذين أكدوا على حرية السوق، خرجوا بصيغة جديدة تراعي الظرف الاستثنائي الذي يمر به البلد. ومن أبرز بنودها:
– اعتماد سعر صرف 4000 ليرة لكل دولار.
– الغاء الكوتا التي حددت سابقا بـ 200 دولار للأفراد، وبحدود 5 آلاف دولار للتجار.
– بيع الدولار مشروط بتقديم مستندات رسمية تثبت الحاجة اليه. مثل: الاستيراد على كافة انواعه، تحويل الاموال إلى الخارج كبدل تعليم او استشفاء أو تسديد متوجبات وضرائب، تسديد قروض بالعملة الصعبة، السفر المبرر وغيرها من الضروريات المقرونة بالأدلة والبراهين الرسمية.
هشاشة المنصة
الاتفاق الذي يُعول عليه للجم سعر الصرف وبدء تراجعه بعد فترة قصيرة، مبنيٌ على قاعدة “المنصة الالكترونية” الهشة التي انشأها المركزي بناء على التعميم 149. حيث سيتحدد سعر الصرف على “المنصة” في المرحلة الاولية بـ 3200 ليرة، على ان يتغير بشكل يومي مع تغير العرض والطلب بين مصرف لبنان، المصارف التجارية وبعض الصرافين. الشراء من هذه المنصة سيخصص بشكل أولي للمواد المدعومة، بمبالغ لا تتعدى 200 مليون دولار أميركي.
في ظل تراجع العرض من قبل الصرافين وشبه توقفه من المصارف التجارية، فان التعويل هو على مصرف لبنان لموازنة هذه المنصة وعدم تفلت السعر عليها. إلا ان قدرة الاخير على التدخل ستكون محكومة بالتحويلات الخارجية. فمصرف لبنان لن يتدخل من احتياطه من العملات الاجنبية بل من الاموال الواردة عبر شركات التحويل الالكتروني. وهي أموال متناقصة، ومن المتوقع الّا تتجاوز المليار دولار نتيجة تراجع قدرات المغتربين من جهة وانخفاض شهيتهم بعد تسليمها لذويهم بالعملة اللبنانية من جهة ثانية.
في جميع الاحوال، ان دعم استيراد المواد الغذائية الاساسية بقيمة 100 مليون دولار لا يشكل اكثر من 6 في المئة من واردات هذه المواد، وحوالى 5 في المئة من حاجات المواد الاولية للصناعة. وبحسب نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي فان “واردات المواد الغذائية تتطلب تمويلاً بحوالى 5 ملايين دولار في اليوم”. ما يعني فعلياً ان طلباً يفوق الـ 1.5 مليار دولار الى المواد الاساسية سيوجه إلى السوق الموازية. “يقابله طلب سنوي بقيمة تتجاوز الـ 5 مليارات دولار من أجل استيراد بقيمة المنتجات كالمعلبات والاجبان والألبان والزيوت والملابس والخرضوات وغيرها الكثير من الحاجات”، بحسب رئيس مجموعة شركات رمال عدنان رمال. “اذ انه بالرغم من تراجع الطلب بنسبة 50 في المئة في الاشهر الاولى من هذا العام فان الطلب العام المقدر سيتراجع بحدود 50 في المئة، أي من حوالى 20 ملياراً في العام الماضي الى حدود 10 أو 12 ملياراً هذا العام. وهو مقسم على الشكل التالي: 6 مليارات للواردات الثابتة المدعومة، أي النفط، القمح، الادوية، والمستلزمات الطبية، وبين 5 و6 مليارات دولار لاستيراد بقية السلع والمنتجات”.
استقرار الطلب في الآونة الأخيرة على الدولار نسبياً، وثباته على 4000 ليرة، يعود الى تراجع الطلب على الدولار لسببين رئيسيين. يتمثل الاول في انتظار المواطنين والتجار لما ستؤول اليه آليات الدعم للقطاعات الانتاجية. اما السبب الثاني والأهم فهو انخفاض الطلب بشكل كبير جداً نتيجة اقفال البلد واقتصار الطلب على المواد الاساسية. أما اليوم ومع تخفيف اجراءات الاقفال وعودة الحياة الى طبيعتها في المؤسسات والمتاجر والمطاعم والمسابح وأماكن اللهو والتسلية، فمن المتوقع معاودة ارتفاع الطلب على الكثير من الامور التي توقف أو تراجع الطلب عليها في الفترة الماضية. وعليه فان الحاجة الى الدولار لاستيراد المواد الاساسية للصناعة المحلية او المصنعة في الخارج ستزداد بوتيرة كبيرة. وهو ما سيؤدي الى زيادة الطلب على الدولار مقابل تراجع العرض، وبالتالي استمرار ارتفاع سعره مقابل الليرة اللبنانية.
وما يزيد طين الدولار بلة، تعميما مصرف لبنان 148 و151، اللذان يسمحان بسحب نسبة من الودائع المقيّمة بالدولار على أساس سعر صرف 3000 ليرة. وهو ما ينعكس طلباً كبيراً على الدولار، إما للادخار وتلبية المتطلبات الخارجية، واما بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع الطلب على الاستهلاك. ما يعني زيادة طلب المستوردين على الدولار للاستيراد وتعويض النقص.
في الوقت الذي تنص فيه الآلية الجديدة على دعم ما لا يزيد عن 5 في المئة من القطاعات الانتاجية والخدماتية، فانه “يبقى اكثر من 95 في المئة من المؤسسات غير مشمولة بآليات الدعم وملزمة بشراء الدولار من السوق الثانوية على السعر المرتفع”، يعتبر رمال. “ومع توقعنا بان تكون السوق الموازية عاجزة عن تلبية طلباتنا فان اغلبية المؤسسات ستضطر إلى الشراء من السوق السوداء بسعر أعلى. وهو ما سيؤدي إلى استمرار ارتفاع الاسعار وفشل كل الآليات”. رمال يؤكد في المقابل ان “إمكانية تبيان الخيط الأبيض من الاسود لن تتاح قبل الاسبوع القادم. فمعاودة الصرافين العمل بالتوازي مع اطلاق المنصة الالكترونية وإعادة فتح البلد ستكون كفيلة بتحديد توجه السوق وقدرة الآلية على الصمود”.
بعض القطاعات تصارع انهيار سعر الصرف، فيما استسلم بعضها الآخر. فقطاع تجارة السيارات المستعملة المؤلف من 2200 معرض مهددة بالافلاس والاقفال. فالمشكلة بحسب النقيب إيلي قزي تتمثل في عدم قدرة المعارض على تحرير أموالهم من المصارف مقابل تراجع الطلب وانحصار البيع بالشيكات المصرفية.
ما لم تحصل “صدمة ايجابية” تعيد الثقة بالاقتصاد والبلد فان كل الآليات الاصطناعية ستكون بمثابة ABS “نظام منع انغلاق المكابح”. فهو يهدّئ تدهور سعر الصرف ويخفف من حدته لكن في النهاية لن يستطيع منعه.