معركة إحكام السيطرة على المفاصل المالية… “تُطيّر” الدولار
الحكومة تضع يديها في مياه أرقامها الباردة للخسائر، فيما المواطنون والقطاع الخاص يكتوون بنار لهيب الاسعار، ويدوخون من الدوران في حلقة الازمة المفرغة. وطيس معركة تحميل الأكلاف يحتدم، فيما المزاج العام، الذي ظهّره الشارع مساء أمس الأول، همه الاول لقمة العيش. فهل ينجح الشارع في توجيه سهامه إلى أماكن الخلل، أم يبقى الرمي العشوائي مستمر مهدداً ما بقي من اقتصاد؟
الدفة برأي أرباب القطاع الخاص تميل إلى الفرضية الثانية. والسبب قهر المواطنين المجبول ببروباغندا رسمية تتهرب من تحمل المسؤولية، وتستغل وجع الناس للاستيلاء على مواقع القرار المالي وإحكام السيطرة على مفاصل البلد. وهذا ما بدا واضحاً في انضمام جمهور الثنائي الشيعي الى التحركات المطلبية، على خلفية ارتفاع سعر الدولار إلى 7 آلاف ليرة، وتحوير المطالب إلى اسقاط رياض سلامة بعد تعيين نواب “المركزي”. حيث من الممكن ان يكون ترافق الاحداث مقدمة لتصفية المصارف وإحلال المصارف الخمسة المدرجة ضمن الخطة الحكومية مكانها.
المصارف الجديدة ضرورة!
المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني المشارك في الاجتماعات المالية، اعتبر في مقابلة الكترونية على منصة حزب “الكتلة الوطنية” انه “لا يمكن اخذ نظرية تصفية المصارف وتسليم القطاع الى “حزب الله” على محمل الجد، لانه سيؤدي إلى قطع الدولار عنّا في اللحظة نفسها. وبالتالي تكون النهاية”. وبحسب بيفاني، فإن الخطة “ليست هي التي ستفلس المصارف، بل تخطي الخسائر قيمة الرأسمال هو ما سيدفع بالبنوك العاجزة الى الخروج أو الاندماج، في حين ستبقى المصارف التي استطاعت المحافظة على رساميلها ولم تمنَ بخسائر كبيرة. وهذا ما ستظهره الشركات الاجنبية التي تعاقدت معها الدولة للتدقيق في ميزانيات وأصول كل مصرف على حدة bank by bank assets quality review”.
بيفاني الذي لم يحدد موقفه صراحة من المصارف الخمسة الجديدة المنوي انشاؤها قال: “إن بعض الوزارء اقترحها بناء على التجربة القبرصية. فبرأيهم ان البلد لن يعاود الانطلاق من جديد في حال لم يجرِ دخول مصارف جديدة”.
السلطة تتنكر
تضمين الخطة الحكومية 5 مصارف جديدة على حين غرة، برأسمال 200 مليون دولار لكل واحد منها، يُدفع نصفه نقداً والنصف الآخر من الداخل، لا يعتبر حلاً. “فالمئة مليون دولار غير النقدية التي ستؤمن من الداخل لا تعتبر سيولة، والخمسمئة مليون دولار التي ستؤمنها المصارف مجتمعة من الخارج، لا تقدّم ولا تؤخر. وفي جميع الاحوال ستبقى عاجزة عن جذب الودائع”، يقول الخبير المالي والمصرفي جو صرّوع. “فالمشكلة الاساسية تنقسم إلى شقين. الاول غياب الثقة بالدولة. والثاني هو تنكر السلطة السافر عن مسؤوليتها تجاه المصارف والمودعين. فبعد اقتراضها المليارات وصرفها على الهدر والفساد وتمويل الاقتصاد السوري منذ العام 2011 ولغاية اليوم، أتت لتمحي ديونها بجرة قلم. فعلقت كل المستحقات عليها، واتكلت على استرداد 10 مليارات دولار من الفساد بعد 10 سنوات”.
استراتيجية الهدم الخاسرة
جذب الاموال من الخارج لا يتصل باسم المصرف أو من يقف وراءه، بل بالوضع في البلد والثقة بالسلطة السياسية. هذه الحقيقة الدامغة ما زال يتم تجاهلها كغيرها الكثير من الحقائق. “أما السير بها على “عماها” في ظل هذا الانهيار والحملة الممنهجة على المصارف، يكون لهدف نهاية القطاع المصرفي وبدء عملية بناء قطاع جديد من الخراب. وهو ما يعرف، بحسب صرّوع، بـ”استراتيجية الهدم الخاسرة”.
“النقد والتسليف” لا يساعد
بغض النظر عن حالة البنوك التي تملك رغم كل الصعاب امكانية النهوض، فان عملية جذب المستثمرين الخارجيين تعتبر صعبة، في ظل اشتراط قانون النقد والتسليف على المساهمين ان تكون مسؤوليتهم بمقدار ملاءتهم، وليس بحجم حصتهم من البنك. و”بدلاً من ان يبحث المعنيون عن كيفية اعطاء أمان للمودعين واطمئنان للمستثمرين، كأن يفصلوا بين عضوية مجلس الادارة عن الادارة التنفيذية للبنك، يتلهون بكيفية ضرب القطاع”، بحسب صرّوع. الصندوق والخطط
في ظل أجواء التخبط الداخلي والتضارب بالارقام يتخوف الكثيرون من فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والعودة إلى نقطة الصفر. لكن ما لا ينتبه له أحد هو “انتهاء المفاوضات”، بحسب صرّوع. “فالحكومة قبلت على نفسها الرقم الاكبر للخسائر ولم يعد هناك ما تفاوض عليه. فيما كان عليها العكس”. إلا ان هذا لا يعني نهاية المطاف بل ان المحادثات ستستمر، والتعويل هو على الجهد الكبير الذي تبذله لجنة تقصي الارقام والحقائق في مجلس النواب، للوصول إلى أرقام منطقية لا تعمد إلى تصفير العداد مرة واحدة.
الازمة اللبنانية المعقدة والتي تختلف عن كل ازمات الدول لجهة ان الدائن الاكبر هم المودعون، حلها معقد أكثر. وهو، برأي صروع، “مقسوم الى شقّين الاول يتعلق بالاصلاح وامكانية ضخ بعض الاوكسجين بجسد الدولة المنهك، والثاني والاهم يرتبط بالافق السياسي للمنطقة والذي لن يظهر قبل أيلول أو تشرين الاول. ومن الآن حتى ذاك الحين يجب التركيز على بناء الاقتصاد وليس هدمه بـ”قتل” المصرف المركزي وضرب المصارف التجارية، وتحميل المودعين الخسارة الاكبر.