IMLebanon

واخيراً هبّة باردة  

 

هزّ مصرف لبنان العصا في وجه قطاع الصرافة فتراجع الدولار تراجعاً دراماتيكياً ما أثبت أنّ السلطة قادرة إن شاءت. سبق أن تمّ رسم سقف للدولار (2000 ل.ل) في السوق الموازية كي لا يتجاوزه الدولار… ولكن سرعان ما سقط هذا التوجه في اليوم ذاته، فأخذ الدولار يقفز في حقل العملة الوطنية قفزات غير مسبوقة في سرعته اليومية، إلى أن لامس الـ2700  ليرة لبنانية يوم أول من أمس الخميس. وكان من شأنه أن يصل اليوم الى ثلاثة آلاف ليرة، وليس من سدود أو حواجز في وجهه، إلى أن كان القرار الذي أُصدر أمس، وهو الذي كان منتظراً في اليوم الأوّل من هجمة الأشداق المفتوحة على تحقيق الكسب «كيفمكان» وبأي وسيلة كانت، ولو على حساب آخر القروش في جيوب  اللبنانيين «الغلبانيين» الذين عصفت بهم لعبة الدولار، فأطاحت مرتباتهم وتعويضاتهم، كما عصفت التدابير المصرفية بجنى العمر وبالقرش الأبيض المعدّ لليوم الأسود، فتوالت الأيام والأسابيع والأشهر السوداء (بل قاتمة السواد) ولكن عبثاً، فإذا القرش الذي كان أبيض لهم، بات أشد بياضاً ولكن في جيوب الآخرين وفي صناديقهم.

 

المهم أن التدبير اتخذ، وجاء ليخفف، وإنْ قليلاً ممّا يعانيه اللبنانيون من كوابيس، وممّا يُلقى على الكواهل الواهنة من أثقال. والأهم أن تبقى «السوق الموازية» تحت السيطرة، فلا يفلت جنون الدولار، مجدداً، من كل عقال، لتعود حليمة أهل الصيرفة الى عادتها القديمة، فينتفض الدولار صعوداً الى أن يجتاز عتبة الثلاثة آلاف ليرة… لأنه إذا أُفلت هذه المرة من الرقابة الصارمة، فلن يكون  هناك من أو ما يوقفه.

 

والخطوة المطلوبة، هذه المرة، وبإلحاح كبير، هي اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تمكّن اللبنانيين من «التعامل الإيجابي» مع ودائعهم، خصوصاً أصحاب الودائع الصغيرة الذين لا حول لهم ولا طول، وقد بات يصح فيهم المثل السائر «كرام على موائد اللئام». ومهما كانت المبرّرات فإنّ شيئاً لا يبرر حرمان صاحب الوديعة من التصرّف بها أو «السحب» منها قانونياً. من المسؤول؟ ليس الجواب عندنا، وليس دورنا أن نحدّده، وأن نفتّش عن خلفياته. وفي تقديرنا أنّ عدم التوصل الى حل سريع لهذه المسألة، سيشكل، مع الوقت، اضطراباً غير مأمون العواقب.

 

لقد شهد القطاع المصرفي – المالي والقطاع النقدي تحديات كبيرة في هذه المرحلة، ولا يزال يشهدها. ومن أسفٍ أنّ انعكاسها السلبي ضرب الناس في أمنهم الاجتماعي. وما اتخذه المصرف المركزي أمس، من تدبير حسم سعر الدولار مع هامش الثلاثين في المئة، كان أول هبّة باردة في بركان الهبّات الساخنة. ولقد يكون مطلوباً من وزارة الاقتصاد أن تعزز رقابتها على المتاجر الكبرى والمتوسطة والصغرى، لكي تأتي أسعار السلع والمواد الغذائية متناغمة مع التدبير الجديد… وإلاّ يكون هذا التدبير قد ذهب هباءً.