IMLebanon

دولار الـ3900 وشروط صندوق النقد

 

يوحي تجميد تنفيذ القرار الصادر عن مجلس الشورى، والإبقاء موقتاً على تسعيرة 3900 ليرة لـ»اللولار»، بأنّ الأمر جرت لَملمته على عَجَل، تحضيراً لـ»طبخةٍ» نقدية – مصرفية يجري إعدادها. وهذا المناخ أوحى به أمس حاكم المركزي رياض سلامة بإعلانه عن تعميمٍ سيصدر قريباً وينظّم إرجاع الودائع إلى أصحابها. ويدعو ذلك إلى السؤال: هل «الطبخة» المالية مطلوبة دولياً، لمواكبة أي تسوية سياسية قد يتم التوصّل إليها بعد انهيار البلد؟

اللافت في قرار مجلس الشورى هو التوقيت. وفي تقدير البعض أنّ القرار لم يُتَّخذ إفرادياً، ومن منطلقات مَحض قانونية فقط، بل إنّ هناك قوى سياسية ومرجعيات معنية شجَّعت على فتح الملف الذي كان نائماً منذ أكثر من 14 شهراً.

 

فتعميم مصرف لبنان الرقم 151، الذي على أساسه يتمّ السحب من ودائع الدولار بـ3900 ليرة، صدر في 21 نيسان 2020. وفي ذلك الحين، كان الاتجاه واضحاً لجعل المودعين كبش المحرقة. فقد جرى أيضاً إحباط أي مشروع لـ»الكابيتال كونترول»، بذريعة الحرص على مصالح هؤلاء المودعين. ولكن، في الواقع، شهدت تلك المرحلة، والأشهر السابقة واللاحقة، أسوأ أنواع التنكيل بالودائع لمصلحة حيتان المال والسلطة.

 

في السلطة، كان الجميع راضياً بمنح المودعين نسبة ضئيلة من مدّخراتهم، وبالليرة التي تنهار. وإذا كان بديهياً أن يرتاح المركزي وأصحاب المصارف لهذا «الصيد الدسم» من الودائع، فقد بَدا مستغرباً أنّ المودعين أنفسهم اقتنعوا به، بعدما جرى وضعهم أمام خيارين: الـ1500 أو 3900.

 

عندما صدر التعميم 151، كان القاضي فادي الياس على رأس مجلس الشورى. وهو في موقعه منذ أيلول 2019. وقد عاين ولادة التعميم وواكب تطبيقه طوال أكثر من 14 شهراً تمَّ خلالها «تذويب» مليارات الدولارات من الودائع، لمصلحة النافذين وحيتان المال.

 

واليوم، يتداول خبراء المال في الخلفيات المحتملة للقرار: فهل يُراد جسُّ النبض شعبياً حوله، كما تجري العادة، قبل تهيئة الأجواء واعتماده لاحقاً؟ أو ُيراد التمهيد للخطوة التي طرحها سلامة قبل فترة، والقاضية بتسليم المودعين، وعلى مدى 3 سنوات، 25 ألف دولار نقداً ومعها 25 ألف دولار بالليرة اللبنانية وفق تسعير منصة مصرف لبنان؟

 

في أي حال، واضح أنّ هناك اتجاهاً إلى إنهاء عهد الـ3900 ليرة، فيما اعتماد الـ1500 بات استنسابياً وجزءاً من أرشيف الحسابات في القطاع العام. وتوحي الأجواء بأنّ تسعيرة المنصة ستكون هي الغالبة (قرابة 12 ألفاً) وتدور حولها تسعيرة السوق السوداء، بفارق يُفترض أن يكون مشابهاً للفارق بين السعر الرسمي والسوق السوداء في أي دولة أخرى… إذا نجح التطبيق.

 

هذه الخطوة نحو توحيد أسعار الصرف يعتبرها الخبراء وصفةً مثالية للاستجابة بصمت وهدوء لشروط صندوق النقد الدولي. وهي تتزامن وإشارات أخرى في هذا الشأن:

1 – عودة المجلس النيابي في شكل مفاجئ إلى مناقشة مشروع «الكابيتال كونترول» الذي ماطَل طويلاً في إهماله.

2 – يكوّن المركزي تصوّراً لوضع القطاع المصرفي، بعد انتهاء المهلة التي حدّدها لزيادة الرساميل في حدود 20 % وتأمين سيولة 3 % بالدولار لدى المصارف المراسلة.

3 – القرار الحاسم برفع الدعم عن السلع في شكل شامل، خلال الأيام المقبلة.

 

طبعاً، هذه بنود يطالب صندوق النقد بالتزامها كشرط لمساعدة لبنان. لكن منظومة السلطة تتهرب من التزامات أخرى، وهي التدقيق في المؤسسات وإصلاح القطاع العام بكامل هيكليته وأجهزته، ووقف الهدر خصوصاً في قطاعي الكهرباء والاتصالات. وهناك أيضاً أزمة سندات «اليوروبوندز» التي تخلّف لبنان عن سدادها.

 

هل يعني هذا الاتجاه أنّ قوى السلطة تبلَّغت من القوى الخارجية أن الظروف تنضج ليستأنف لبنان مفاوضاته مع الصندوق، وتحت سقف شروطه؟ وهل يمكن أن يكون الاتفاق مع الصندوق جزءاً من تسوية للوضع المالي والاقتصادي، تشكّل انعكاساً حتمياً للتسوية السياسية المحتملة، والتي سيفرضها أي انفراج في المناخ الإقليمي والدولي؟

 

كان لافتاً تأكيد سلامة مجدداً أنّ الحل في لبنان سياسي قبل أن يكون مالياً. وهذا يعني أنّ قوى السلطة باتت تدرك أن لا مجال للحصول على أي مساعدات من الخارج إلا إذا قدمت أوراق اعتماد سياسية أيضاً.

 

وهذا يعني الرضوخ لمتطلبات الإصلاح والشفافية، أي فكّ ارتباط لبنان بمحاور الصراع الإقليمي. فالإصلاح في لبنان يبدأ بقدرة سلطته المركزية على ممارسة الاستقلالية في قرارها. ومن دون ذلك، لا مجال لأي إصلاح آخر.

 

إنها أسابيع قليلة حاسمة، حيث يمكن أن تظهر ملامح التسويات في الخارج، ومعها يتبلور اتجاه الأزمة في لبنان: إنهيار لتكريس الانهيار أو انهيار للتأسيس والانطلاق من جديد.