IMLebanon

السلطة تحاول “النفاذ بريشها” بعد “ابتلاع” دولارات المودعين

 

إقتلاع أنياب المصارف يحوّلها من “طعم” إلى “فريسة

 

تحتلّ لوكسمبورغ المرتبة الأولى قبل لبنان بنسبة الودائع المصرفية الى الناتج

شكّلت أزمة كورونا الحلقة الأخيرة من طوق الشدائد الذي أطبق الخناق كلياً على أعناق المواطنين ومصير الإقتصاد. فانضمت هذه الجائحة الصحية العالمية إلى سابقاتها من الأوبئة والأمراض السلطوية المحلية من هدر وفساد وتقاسم ومحاصصة، والتي انتهت مؤخراً باعلان تعثّر لبنان، لتكون فرصة جديدة للهروب إلى الأمام. وبدلاً من تفتيش الحكومة عن حلول منطقية وعملية أخذت تبحث عن فريسة لتحرّض وترمي عليها تُهم فشلها.

عملية البحث لم تكن شاقة فجسم المصارف “اللبّيس”، بحسب رئيس تجمع رجال الأعمال فؤاد رحمة، “جاهز لارتداء قميص المسؤولية”. فالمصارف التي استفادت طوال سنوات من إقراض أموال المودعين للدولة وامتطت هندسات مصرف لبنان النقدية لتحقيق الأرباح، ها هي تحرم اليوم أصغر المودعين من أبسط حقوقهم وتذل المتعاملين معها لحصولهم على فتات ودائعهم بالدولار. فلتدفع إذاً الثمن، ضمنياً بإقصائها وإعادة هيكلتها ومعاقبة أصحابها وكبار مودعيها. وشكلياً بتكسير واجهات فروعها وصرافاتها الآلية وشتمها. لكن عندها هل تحل المشكلة وهل تعود الحقوق لأصحابها ومن بعدها هل تستقيم موازنة الدولة وينتهي العجز وندخل في مرحلة الوفر؟

 

معالجة عجز الدولة أولاً

 

لو كان هذا الحل يردم الهوة السحيقة في ودائع الدولار، والتي تتجاوز الـ 70 ملياراً، ويعيد انتظام مالية الدولة لما كان قد عارض أحدٌ. إنما ان تكون معالجة جرح المصارف قبل وقف مرض سيلان دم الدولة المستمر، فهذا قد يكون تضليلاً. “فتصوير الحل للأزمة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحماية صغار المودعين مقابل كبار المودعين، واتخاذ القرارات الشعبوية في الوقت الذي تستمر فيه المماحكات بين أركان الحكومة ومن خلفهم بعض الأطراف، على المحاصصة في التعيينات هو قمة الخداع”، يقول رحمة ويسأل “هل يستطيع لبنان البقاء 10 سنوات من دون مصارف وهي الفترة التي تتطلبها إعادة هيكلة 50 مصرفاً؟ وما هو مصير القطاع الخاص والمواطنين خلال هذه الفترة، فهل ينهض لبنان من كبوته وتعاد الاموال الى أصحابها”.

 

الجواب السريع سيكون لا، بالتأكيد. فالمشكلة اليوم بحسب القاصي والداني تتمثل: أولاً في حجم الدولة الهائل، الذي يستنزف سنوياً بالدفع على الرواتب وتمويل المؤسسات والصناديق أكثر من 8 مليارات دولار. وثانياً، في عجز كهرباء لبنان، المستمرة عصية عن الإصلاح، بأكثر من 2 مليار دولار سنوياً. وعليه فانه حتى مع شطب الدين العام كاملاً، والتخلص من كلفة خدمته التي تقدر سنوياً بحدود 6 مليارات دولار فإن الموازنة بين النفقات والإيرادات تعتبر مستحيلة والكفة الغالبة ستكون دائماً لصالح النفقات وبالتالي العودة إلى الاستدانة.

 

لوكسمبورغ مثالاً

 

في الوقت الذي تجب فيه معالجة الأسباب يجري التركيز على الإقتصاص من النتائج. وهو ما ظهر جلياً في انتقاد المسؤولين للواقع المصرفي بقولهم ان لبنان يحتل ثاني مركز في العالم من حيث حجم الوادئع في القطاع المصرفي بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي. “وكأن وضع الدولة التي تحتل المركز الأول عاطلاً”، يعلق رئيس مجلس إدارة “بيمو” بنك رياض عبجي، فـ “الدولة الأولى التي تسبق لبنان في حجم الودائع قياساً إلىGDP هي لوكسمبورغ، أغنى دولة في أوروبا”.

 

من هنا يستهجن عبجي “الدعوات إلى تحجيم القطاع المصرفي اللبناني وتقليل عدد البنوك العاملة إلى 20 أو أقل”. فإذا كانت بعض المصارف أو أغلبها برأيه قد أخطأ في إعطاء الثقة للمركزي وتأمينه على أموال المودعين فهذا “لا يعني انه من المفروض أن يصبح القطاع ماضي لبنان بل العكس فان المصارف هي مستقبله. وتحويل لبنان إلى مركز مالي في الشرق يتطلب زيادة عددها وإعطاء رخص جديدة لمزيد من المصارف لكي تعمل في لبنان الذي يعتبر جنة مصرفية في المنطقة”. فالدعوات إلى تحويل لبنان إلى بلد زراعي وصناعي فيها الكثير من الطوباوية الإقتصادية. فانعدام وجود المواد الاولية وندرة الأراضي الزراعية تحتم على لبنان أن يلعب دوراً خدماتياً، أكان ذلك من خلال تنشيط القطاع السياحي أم عبر إعادة بناء القطاع المصرفي على قواعد سليمة وصحية، والتعلم من التجربة الحاضرة.

 

الحلول موجودة

 

هذا الحل الذي قد يكون بعيد المنال برأي الكثيرين بسبب حالة الإحباط وفقدان الثقة بالطبقة الحاكمة له مدخل واضح يتمثل في اتخاذ 4 تدابير أساسية وهي:

 

– انهاء الإقتصاد الرديف القائم على التهريب والتهرب الضريبي الموجود والمحمي.

 

– إيجاد الحل المناسب للتخلص لمرة واحدة ونهائية من العجز.

 

– توفير السيولة اللازمة لتلبية طلبات المودعين والإقتصاد والتي ساهمت في خلق سوق قطع رديفة.

 

– حل معضلة الدين العام الذي امتنع لبنان مؤخراً عن تسديده وأعلن نيته الدخول في مفاوضات مع الدائنين.

 

هذه الخطوات الأربع لا تستقيم إلا من خلال التوجه إلى صندوق النقد الدولي، بصفته مرجعاً وله باع طويلة في معالجة مشاكل الدول المالية والإقتصادية، وعرض الخطة عليه. فاذا اقتنع وقرر مد يد العون والمساعدة في تطبيقها، يمكن الدخول من بعدها في مفاوضات جدية مع الدائنين من أجل إعادة هيكلة الدين، سواء عبر تمديد مهل التسديد او تخفيض الفوائد. وهو ما يمكّن الإقتصاد من حمل هذا الدين. الجدية في هذه المرحلة تدخلنا برأي رحمة، إلى المرحلة الثانية “المتمثلة في الحصول على مساعدات مالية ميسرة من أجل حل أزمة السيولة”.

 

أهمية هذه الخطة لا تتمثل في حل المشكل الإقتصادي فحسب، إنما السياسي أيضاً. فالوصول إلى هذه المرحلة يعني ان الطقم السياسي إما خضع لشروط الإصلاح الجدي، وإما انسحب، وفي كلتا الحالتين ربحٌ للبنان ومواطنيه.