Site icon IMLebanon

السينايور المرّ

 

ما الذي قد يستفيده الذين يسبّبون الفوضى في الشوارع والذين يغلقون أو يحطمون محلات وأرزاق الناس بالقوّة بسبب ارتفاع الدولار، وكأنّ هؤلاء المواطنين المساكين هم من يتلاعبون ويرفعون سعر الدولار بجنون، هؤلاء الذين يدورون على دراجات نارية لا يعرفون أنّ هذا المشهد هو سيناريو يحضره اللبنانيون للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة، وطالما اقتصاد لبنان قائم على السياحة وطالما هذه الأخيرة مرتبطة بالاستقرار الأمني والاجتماعي طالما اقتصادنا مهدد بالانهيار، خصوصاً عندما يتلقّى الأمن المالي ضربة السرقة من حرّاسه!

 

يدور هؤلاء الشباب في الشوارع قاطعين الطرقات علهم يرغمون الناس على النزول إلى الشوارع، وهؤلاء لم يحضروا مشهد العام 1983 ربما لم يكونوا ولدوا بعد مع نهاية الاجتياح الإسرائيلي ومغادرتها بيروت سحبت منظمة التحرير الفلسطينية أموالها من لبنان فتسبّب الأمر في زعزعة استقرار الليرة اللبنانيّة، ألا تسمعون كثير من اللبنانيين يرددون «كان في حرب بس في مصاري»، حتى الحرب اللبنانيّة لم تؤثّر على سعر صرف الليرة مقابل الدولار على العكس حافظت الليرة على مناعتها في وجه الدولار وظلّ سعر الصرف ليرتيْن ونصف الليرة، بدأ الارتفاع رويداً رويداً وتحوّل الجميع إلى تجّار عملة، المصارف والصيارفة واللبنانيّون الشاطرون الذين تشاطروا على اللعبة فانتهت بهم بإطلاق رصاصة على رؤوسهم أو الذهاب ضحايا أزمة قلبيّة حادّة بسبب الخسارة!

 

نفس السيناريو تمّت استعادته بعد انتهاء الحرب اللبنانيّة، بلد خارجٌ من دمار كبير وحالة إفلاس وتتالت الحكومات الفاشلة كحكومة حسان دياب تماماً، حكومات من دون مشاريع إنقاذية واضحة للخروج بالبلد «من قلب الدمار»، كان الاحتلال السوري اللاعب الأقوى على الساحة اللبنانية، وهو نفسه أدرك أن الانفجار الاجتماعي قادم لا محالة إن لم يكن هناك شخصيّة تحظى بثقة دول العالم معروفة وتملك سمعة ناجحة، وكان الحديث في العام 1991 متأججاً عن حرب ضد العراق والتحضير لها جار على قدم وساق وبدأت لعبة زعزعة استقرار الليرة اللبنانية أمام سعر صرف الدولار مع تسليم لبنان رسميّاً للاحتلال السوري وفشلت حكومة الراحل عمر كرامي في إيجاد حلول وخطة إقتصادية للنهوض بالبلاد ودخل الدولار في رحلة ارتفاع جنوني للمرة الثانية تسببت بها سلسلة رتب ورواتب لدولة عاجزة عن تمويلها تماماً كالسلسلة التي  فرض إقرارها بالإكراه وتم التضحية بميزانية الدولة وخزينتها من أجل الأصوات الانتخابيّة!

 

في العام 1992 أي قبل ثمانية وعشرين عاماً بلغ سعر صرف الدولار 3000 ليرة لبنانيّة، لم تكن الحكاية يومها فقط فشل حكومة كرامي في إيجاد حلول في وجه تحوّلات المنطقة ومشهد الدّمار الذي يخيّم على البلاد، وحال الرئيس الراحل عمر كرامي أفضل بكثير من حال الرئيس حسان دياب اليوم، على الأقل الأوّل صحيح لم يكن له وزن دوليّ وليس صاحب اختصاص إقتصادي وجاء به السوريون رئيساً للحكومة لكنّه كان جزءاً من اللعبة السياسية باعتباره وريث بيت سياسي، وكانت المنطقة تتحضر لانعقاد مائدة الخداع الأميركي ـ الإسرائيلي في مدريد عام 1993، والسوري كان محتاجاً لمن يريح رأسه من همّ الشارع اللبناني الذي يلعب الجميع فيه لعبة العبث بتجارة الدولار بمن فيهم السوري وجهاز مخابراته نفسه فجُمعت ثروات من دماء اللبنانيين ومدخراتهم للمرة الثانية، وللمناسبة لم ينزل اللبنانيون إلى الشارع يومها، الذين نزلوا هم الاتحاد العمالي وميليشيات حلفاء سوريا من الكبار إلى أصغر الصغار!!

 

يوم جاء رفيق الحريري رئيساً لحكومة لبنان عام 1993 برغبة سورية وشخصيّة، جاء حاملاً عنواناً إسمه «الخطّة الخمسيّة» ووعد اللبنانيّين بحلول آتية بقدوم الربيع، إلا أنّ الربيع تأخر وظلّت أحوال اللبنانيين سيئة جداً، تمّ تثبيت سعر صرف الدولار على 1500 ليرة وتحمّل المصرف المركزي عبء دفع تكاليف هذا التثبيت، كلّ اللبنانيّون كانوا يعرفون سعر 1500 ليرة سعراً وهميّاً، وأنّ القيمة الحقيقيّة لصرف الدولار تقدر بثلاثة آلاف ليرة وذهب البعض إلى تقديرها في بعض الأحيان بخمسة آلاف ليرة، وباقي مشوار تركيب الدّين على الدّين حكايته معروفة، بعدما «تفركشت» حقيبة السامسونايت السوداء المكتوب عليها الخطّة الخمسيّة فلم تطابق حسابات حقلها حسابات بضعة أمتار تبخّرت من بحيرة طبريا كان المفاوض السوري مصرّاً أنّه كان يجلس على حافتها ويضع قدميه في البحيرة، عام 1996 اغتيل إسحاق رابين، انهارت مخططات الأرض مقابل السلام، وكان لبنان يعيش ركوداً إقتصاديّاً مخيفاً، ولا يزال الوضع يتفاقم وفوائد الدّين كسرت ظهر اللبنانيين!

 

السيناريو يعاد اليوم للمرة الثالثة أو الرابعة، منذ بداية الأزمة والأرقام تتدهوّر في ارتفاعها، قبل أسابيع عدة عندما سمعت أحد المحللين الاقتصاديين يقول إن سعر صرف الدولار قد يبلغ عشرين ألف ليرة، ردّ عليه رئيس الحكومة المستنكفة عن تصريف الأعمال بأنّه ليس عمر كرامي وأنه لن يستقيل حتى لو بلغ سعر صرف الدولار عشرين ألف ليرة، نحن على حافّة بلوغ الدولار 15000 ليرة ويزيد، وهو ذاهب بسرعة صاروخية إلى أعلى من ذلك بكثير…

 

لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّه يملك رواية أو تصوراً للأيّام المقبلة أكثر من مخاوف الفوضى والاضطراب وفلتان الشارع، لا أحد يملك حلاً حتى الذين منوطة بهم مسؤولية أن يتفرّغوا لإيجاد الحلول منخرطون في لعبة الثلث المعطّل «وطلبنا وما طلبنا»، الأمر الوحيد الذي بالإمكان قوله إنّ خسارة اللبنانيين لمدخراتهم ومستحقات تقاعدهم وانهيار قيمة رواتبهم فاللبنانيون اعتادوا على هذا النوع من الخسارات وهي لم تدفعهم يوماً إلى الشارع؟!

 

ميرڤت سيوفي