IMLebanon

لبنان في قبضة الدولار

 

 

أول عملٍ يقوم به اللبناني، بعد أن يستقيظ من نومه، هو البحث عن سعر الدولار على المنصات الإلكترونية، لقد أصبحت  هذه العملية الروتينية جزأً من حياته اليومية، أصبح الدولار سر أرقه وقلقه من الغد، أصبح همه الذي لا يفارقه في عمله وفي مأكله ومشربه وفي كل تفاصيل حياته، فلقد أصبحت صورة الدولار موجودة فقط على الإنترنت وغير موجودة في الأسواق وكأنه جاء شبح وسحب  كل الدولارات من الأسواق وأصبحت سلعةٍ نادرة الوجود، وهنا تكمن خطورة الأمر، أنها تحولت من عملة متدوالة إلى سعلةٍ من المستحيل إيجادها والحصول عليها.

 

لقد دخل لبنان نفق لعبة الدولار التي سحقت دولاً أكبر وأغنى من لبنان من حيث المساحة والموارد الطبيعية وعلى رأسها فنزويلا، فلقد مرت فنزويلا بأزمة سياسية خطيرة، جاءت نتيجة مباشرة لإنهيارٍ إقتصاديٍ على المدى الطويل، كما قال تقرير نشرته مجلة «لاكابيتال» الفرنسية.

 

فلقد ذكر الكاتب نيكولاس غالنت أنه وفقا لدراساتٍ إقتصادية في معهد الاقتصاد العلمي والإدارة الفرنسي «إريك دور»، فإن الأزمة في فنزويلا تعتبر «استثنائية» من حيث الحجم وآثارها الإنسانية والديموغرافية على حدٍ سواء؛ إذ تعاني البلاد من هجرة هائلة، لأن سكانها يعانون من الجوع ومحرومون من الأدوية». وعلاوة على النقص الخطير في الضروريات الأساسية، يواجه الفنزويليون أيضا صعوبات متعلقة بمجال النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لموارد البلاد.

 

إن الحالة فنزويلا تشبه لبنان إلى حدٍ كبير من ناحية التضخم، فإن العجز العام إرتفع بشكلٍ ملحوظٍ جدًا، ذلك لإن الدولة لم تسيطر على إنفاقها. ومن أجل السيطرة على هذا العجز العام، لقد طبعت كراكاس الكثير من الأوراق المالية، لتنهار بذلك قيمة البوليفار مقابل الدولار، مما دفع الفنزويليين إلى تحويل أجورهم من البوليفار في السوق السوداء. هذا تماماً ما حصل في لبنان، إن نسبة التضخم وصلت إلى حدٍ قياسي ولا تزال مستمرة في التوسع.

 

إن حجم الكارثة الإقتصادية الذي سببه ذلك التخضم يعتبر خطيرٌ جدًا من حيث الإنهيار وإفلاس الشركات والمؤسسات وصرف الموظفين، ولكن الجانب الإجتماعي والأمني والأخلاقي التي سوف تزداد هي الجانب الأكثر خطورةً من الجانب الإقتصادي وهذا يضع لبنان على مفترق طرقٍ أسهلها إضمحلال الدولة وسيطرة المليشيات.

 

بسبب التضخم الرهيب، لقد تحولت كل معاشات الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية في القطاع العام والخاص إلى دولاراتٍ معدودة، لقد أصبح راتب العسكري اللبناني 65$ تقريبًا، والقاضي لا يصل راتبه إلى 400$ وغيرها من أمثلة، كل تلك الأمثلة سوف يكون لها عواقب وخيمة، في الأيام العادية حيث كانت الدولار ب 1507، فإن القضاء اللبناني كان عبارة عن مرتع للفساد، أما اليوم فسوف يصبح سعر القاضي الفاسد رخيصاً جدًا كي يشتريه أي إنسان لديه قضية عالقة في المحاكم، وسوف يصبح شراء الضباط والعساكر الفاسدين عملية سهلة لمن يملك الدولار. سوف تضمحل الدولة وتطفو إلى العلن الدولة الفيدرالية وتتحول من حالة مُقنعة إلى حالة ظاهرة، ولكنها فيدرالية طائفية يقودها الأحزاب المسلحة الطائفية، فالبارحة ذهب وفدٌ من حزب الله اللبناني لزيارة موسكو من أجل التفاوض في تشكيل الحكومة، أين سيادة الدولة؟ وهل الدولة المركزية إنتهت؟ كيف يحق لحزبٍ أن يزور دولة أجنبية ويتفاوض معها؟

 

على المقلب الأخر، إن دور القوى الأمنية لن يكون كما هو في السابق، سوف يبقى في الثكنات خشية التفلت الأمني والإنفجار الإجتماعي الذي قد يشارك فيه عناصر القوى الأمنية بسبب ألمهم وجوعهم وفقرهم الذي يزداد يومًا بعد يوم.

 

من الناحية الأخلاقية، سوف تزيد حالات الفحشاء بسبب قبول النساء ببيع أجسادهن مقابل القليل من المال بسبب الجوع والفقر، وسوف تزداد حالات الزنى والقتل والتعدي على أملاك العامة والخاصة، وسوف تزداد الجرائم بشكلٍ غير مسبوق وقد بدأت ولكن لا يكشف عنها الإعلام وهذا النموذج أشبه بدول أفريقيا. وسف تزداد الخوات من أجل سرقة الناس ومن أجل ما يدعى حماية مناطق وما يسمى بالأمن الذاتي، ويعود هذا إلى إضمحلال دور الدولة في فرض الأمن وإدارة الأزمة بحكمةٍ ووعي.

 

هناك رزمةٌ من الحلول التي قد تكون خارطة طريقٍ حقيقية، أولها يكون بإنتاج طبقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ قادرة على إعادة الثقة بالمجتمع اللبناني وإعادة الحياة السياسية إلى موضعها الطبيعي كي يكون طب المجتمع، ثم تشريع قانون إسترداد الأموال المنهوبة ووقف الهدر وعجزٍ في الموازنة وإصدار ورقة نقدية جديدة بديل عن الليرة التي إستهلكت، وإعادة العلاقات اللبنانية الخليجية التي سوف تؤدي إلى عودة المستثمرين، ولكن كل هذا يتطلب إلى نية حقيقية من الطبقة السياسية الحالية لإنقاذ البلد  بتشكيل حكومة إنتقالية بصلاحيات إستثنائية كي توقف المجزرة الحالية ومن نفقٍ مُظلم لن يُبقِ أحداً.