نام اللبنانيّون بالأمس على إيقاع خوفيْن الأوّل ارتفاع الدولار الجنوني وكلّ ما لحق به بالأمس من هستيريا، والثاني قتل وتشليح عسكري وصورته التي غزت هواتفنا معلنة دخولنا رسميّاً مرحلة جديدة من الفلتان والفوضى والعنف، فيما المشهد المقابل المتصدّر عدم صدور أيّ صوت عن المسؤولين المعنيّين ومشهد فراغٍ مدوٍّ كأنّه غيبوبة أصابت كلّ المؤسّسات دفعة واحدة بعد أن أدّت قسط العُلا بإجراء الانتخابات!
ندخل بسرعة شديدة وقت الاضطرابات لأنّ حبل الأمور متروك على غاربه للذين يقفون خلف تحريك الارتفاع الجنوني للدّولار، فمن غير المنطقي أنّ الذين فرضوا أمر ضرورة فرملته قبل الانتخابات أطلقوا له عقال الجنون بعدها، خصوصاً وأن الأخبار تناقلت قبل أقل من 48 ساعة أنباء عن عمليات شراء كبيرة للدولار من السّوق. وليس سرّاً أبداً أنّ الذين يعبثون برفعه مستفيدون من هذا الارتفاع، وليس سرّاً أيضاً أنّه ومنذ البداية تمّ وضع اللبنانيّين تحت وطأة دعاية أنّ سعر الدولار سيبلغ خمسين ألف ليرة، لكن السؤال المقلق جدّاً هنا هل يحتمل الوضع الأمني في البلاد سخونة إيقاع هكذا ارتفاع، وما قد يرافقه من جنون آخر في الشّارع؟ وما هي حدود مضاعفات جنون الشّارع إن اندلع وعصف بالجميع، ومن عليه أن يتحمّل المسؤوليّة في هذه اللحظات الجنهميّة؟!
كيف سيتمكّن المواطن من المواجهة “كل يوم بيومه” هذا كثير جدّاً على مواطن قيل له وبالفم الملآن تمهيداً في العام 2019 إن البلد يحتاج إلى 5 أو 6 مليارات وأنه “في حال لم تصل هذه المبالغ نكون قد بلغنا مرحلة الإفلاس” ثم قيل لنا إنّه عندما اندلعت ثورة 17 تشرين ثم طارت مدّخرات الناس في المصارف وجنى أرباحهم وانهار البلد على رؤوسنا، كان الحديث جدّياً عن إعلاننا دولة فاشلة ثمّ لم تأتنا أيّ مليارات ووصلنا إلى انتخابات قيل إنّ التغيير انتصر فيها ثمّ اكتشف اللبنانيّون أنّ اللّعب خرج عن السّيطرة، وأنّ لا سقف لهم في الأيام والأسابيع المقبلة سوى الفراغ!!
قديماً قيل: “ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى” واستمرار اللاعبين السياسيّين في هدر الوقت الضاغط على اللبنانيين بشكل لم يشهدوه حتى في عزّ إيام الحرب الأهلية. فالأزمة لامست كلّ السّقوف، حتى البنك الدولي يتجاهلنا بعدما كانت مطالبه مرصوصة بعضها فوق بعض لإعطاء لبنان قرضاً، العالم في مكان آخر منذ شباط الماضي والوضع في لبنان متروك تماماً.. لا وقت لنزق السياسيّين اللبنانيّين وتطاحنهم فهؤلاء لن يتغيّروا والأزمات المندلعة منذ المواجهة الأميركية ـ الرّوسية في أوكرانيا تجعل من الصعب كثيراً أن يلتفت إلى وضع لبنان أحد وهذا ما يجعل الأمور أخطر وأخطر!
نحن أمام واقع سياسي مجرم سيزيد من تعاسة اللبنانيين، صحيح أنّ الأسبوع المقبل من المفروض أن يشهد انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي لولاية جديدة مع نائب رئيس وهيئة المجلس واللجان لكنّه لن يكون من السّهل أبداً تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات فقد اعتدنا أن يستغرق وقت تشكيل الحكومات أكثر بكثير من الأشهر المتبقية من ولاية رئيس الجمهوريّة، هذا إن بقيت لنا الجمهوريّة!