IMLebanon

الدولار في تشرين… “يا رب تعين”!

 

مع انطلاق منصّة التداول الجديدة

 

 

منذ اوائل آب ومنصة صيرفة شبه متوقفة عن العمل الا بشكل انتقائي شديد لحاجات البنك المركزي تحديداً بينما المصارف تشكو من وقف «باب رزقها» المجزي . وبعكس التوقعات، فان سعر صرف الليرة لم يشهد تقلّبات ملحوظة او مزيداً من الانهيار مع توقف صيرفة بل حافظ الدولار على استقراره عند حدود الـ90 الف ليرة في السوق الموازية ونحو 85 الفاً على منصة صيرفة نتيجة تدخل مصرف لبنان في السوق لضبط السعر، وسعيه لتقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة من السوق في الاشهر القليلة السابقة لانتهاء ولاية رياض سلامة ولغاية اليوم، مما ادى الى تراجعها من 100 تريلون ليرة الى ما دون الـ 60 تريليوناً.

 

ولكن الى متى يمكن ان يستمرّ البنك المركزي في التدخل للحفاظ على هذا الاستقرار؟ وما هو مصير سعر الصرف عندما يتم توحيده وتعويمه من خلال اعتماد منصة تداول الكترونية جديدة عبر المزوّد الدولي بلومبرغ؟ وما هي العوامل التي ستؤدي الى انهيار سعر الصرف على المنصة او الى ارتفاعه؟

 

من المعلوم انه مع بدء التداول على منصة بلومبرغ المتوقع في تشرين الاول او الثاني، فان حجم العرض والطلب على الدولار سيكون (نظرياً) العامل الاساس في تحديد سعر الصرف، وليس تدخلات البنك المركزي في السوق من خلال ضخ الدولارات مما تبقى من توظيفات الزامية لديه (او ما يسمى الاحتياطي) عبر المنصة كما كان يحصل سابقاً. وبالتالي، مع توقف مصرف لبنان عن تغطية الفجوة بين العرض والطلب من احتياطيه، سيبلغ سعر الصرف مستوياته الحقيقية. مما يدعو للتساؤل، هل السعر على منصة بلومبرغ سيكون اعلى او اقلّ من مستوياته الحالية وسط تقديرات للطلب اليومي على الدولار في السوق بين 20 و 30 مليون دولار؟

 

الخوري: حجم الكتلة النقدية بالليرة عامل أساسي

 

يشرح الخبير الاقتصادي بيار الخوري انه مع تقليص حجم الكتلة النقدية بالليرة المتداولة في السوق الى حوالى 60 تريليون ليرة لم يعد هناك احتكار للعملة الوطنية خارج مصرف لبنان، ولم تعد توجد مراكز مالية تحوز كميات كبيرة من الليرة لكي تستطيع التحكم بسعر صرف الليرة في السوق متى تشاء. وبالتالي لم يعد هناك كميات كبيرة من السيولة النقدية بالليرة في السوق لخلق مراكز مضاربة. في موازاة ذلك، اشار الخوري لـ»نداء الوطن» الى ان سياسة مصرف لبنان الجديدة المتمثلة بعدم طبع العملة لتمويل نفقات الدولة الجارية او عجزها، هي عامل اساسي ثانٍ ستجعل منصة بلومبرغ تعكس تحديداً حجم العرض والطلب على الدولار. وبالتالي عندما يكون الطلب كبيراً على الدولار بسبب الاستيراد او غيره، سينعكس ذلك ارتفاعاً في سعر صرف الليرة على المنصة. وعندما يكون عرض الدولارات كبيراً مثلما حصل خلال موسم الصيف الحالي، فسينعكس ذلك انخفاضاً في سعر الصرف. مشيراً في هذا الاطار الى انه لولا وجود منصة صيرفة هذا الصيف وتدخل مصرف لبنان، لكان سعر الصرف تراجع الى حدود 60 الف ليرة مقابل الدولار.

 

واكد انه مع تقلص حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، وانخفاض الطلب على الدولار نتيجة دولرة التداولات التجارية وانتقال اموال المغتربين مباشرة الى القطاع الخاص وليس عبر الصيارفة، فان لجوء الافراد نحو سوق القطع اي حاجتهم للصيارفة تراجعت بشكل لافت باستثناء التجار لحاجات الاستيراد والدولة لتأمين حاجاتها من العملات الاجنبية. معتبراً ان هذا الامر ساهم في موازنة السوق ومنع المضاربات نظراً الى افتقار السوق للسيولة بالليرة.

 

وفي الختام، شدد الخوري على ان اعتماد منصة جديدة لا يعني انعدام تدخل مصرف لبنان في سوق القطع، لان دور البنك المركزي يلزمه، عند حصول تدخلات مضاربة كبيرة تهدف الى ما يسمى speculative attack، التدخل من اجل ردعها واعادة ضبط سعر الصرف. لافتاً الى ان امكانية حصول تلك المضاربات حاليا ضئيلة جدّا نتيجة عدم توفر كميات كبيرة من السيولة النقدية بالليرة في السوق.

 

حمود: فائض (أو عجز) ميزان المدفوعات يحددان الإتجاه

 

في هذا الاطار، اوضح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ان اعتماد أي منصة الكترونية للتداول بغض النظر عن المزوّد الذي يديرها، ليس هو العامل الذي يرفع او يخفض سعر الصرف او يؤدي الى استقراره، «وإلا كانت اعتمدتها مصر او تركيا للحفاظ على استقرار سعر الصرف»، بل ان تدخلات البنك المركزي في تلك المنصة ووضعية ميزان المدفوعات واعتماد الليرة من قبل اللبنانيين كعملة ادخار هي العوامل الاساسية للاستقرار النقدي. موضحاً لـ»نداء الوطن» ان الفائض في ميزان المدفوعات، إن وُجد، هو الذي سيسمح لمصرف لبنان بالتدخل للحفاظ على استقرار سعر الصرف. أما إذا لم يكن لديه فائض ولا يريد المسّ باحتياطيه كما يؤكد نواب الحاكم الحاليون، فان البنك المركزي سيكون عاجزاً عن التدخل وضخ الدولارات في السوق لتغطية الطلب على الدولار، مما سيؤدي حتماً الى ارتفاع سعر الصرف.

 

واوضح حمود ان اعتماد منصة بلومبرغ سيعزز تقنياً الثقة والشفافية بالتداول وسيضبط عمليات البيع والشراء، وينظم السوق ويتيح للبنك المركزي تحديد حجم تدخله المطلوب في السوق. وفيما اشار الى ان مصرف لبنان اعلن انه سيسدد رواتب القطاع العام بالدولار هذا الشهر (حوالى 80 مليون دولار)، سأل: ماذا سيحصل بعد استنزاف الاموال في حسابات القطاع العام البالغة (بالدولار) حاليا حوالى 295 مليون دولار؟ كيف سيتم تأمين حاجات مؤسسات الدولة بالدولار؟ وماذا سيحصل عند تسديد رواتب القطاع العام لاحقاً بالليرة؟

 

أجاب: سيزيد الطلب على الدولار في السوق وسيعجز البنك المركزي عن تغطية هذا الطلب إن لم يكن لديه فائض في ميزان مدفوعاته. شارحاً انه إذا فاق الطلب على الدولار، العرض بقيمة 10 ملايين دولار، فان سعر صرف الليرة مقابل الدولار يمكن ان يرتفع بمعدل 10 آلاف ليرة.

 

ولفت حمود في هذا السياق، الى ضرورة الحفاظ على العملة المحلية كعملة ادخار وضرورة فرضها لتسديد الرسوم او الفواتير او الضرائب لخزينة الدولة امر اساسي رغم حتمية التسعير بالدولار، لانه يعزز عرض الدولارات في السوق مما يساهم في تلبية الطلب عليه.

 

غبريل: الإصلاحات لاستعادة الثقة تدريجياً

 

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي نسيب غبريل ان اعتماد منصة بلومبرغ سيعزز الشفافية في مصدر العرض والطلب وحجم المبالغ المتداولة، وسيحوّل الطلب على الدولار من السوق الموازية الى المنصة، مما سيجعل سعر الصرف موحّداً على عكس ما كان معتمداً مع منصة صيرفة حين كان هناك سعر صرف مختلف في السوق الموازية. وشدد على ان العرض والطلب سيكونان العاملين الوحيدين اللذين سيحددان سعر الصرف إذا ما ترافقا بشفافية تامة، لافتا الى ان تحويل كافة الطلب على الدولار الى المنصة، سيصعّب جدّا المضاربات في السوق الموازية.

 

ورأى انه سيكون هناك مرحلة تأقلم أوّلية عند بدء اعتماد المنصة، حيث يمكن لمصرف لبنان ان يتدخل عند الحاجة لضبط سعر الصرف، على ان يصبح العرض والطلب لاحقاً عاملين اساسيين في تحديد سعر الصرف. مؤكداً ان مصرف لبنان يقوم بالاجراءات التحضيرية لتلك المنصة وسيأخذ حتماً هذا الامر بالاعتبار.

 

ولفت الى ان العوامل التي تحدد مصير سعر الصرف لا ترتبط فقط بالمنصة ولا تتعلق فقط بمصرف لبنان بل هناك اصلاحات مطلوبة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي شرط اساسي لاستعادة الثقة والانتظام الى السوق النقدية والخروج من الازمة، «لان مصرف لبنان لا يعمل منفرداً على جزيرة ولا يتحمّل كافة المسؤوليات منفرداً».

 

وبالتالي، اشار غبريل الى ان الاستقرار النقدي حاليا ناتج عن سحب جزء كبير من الكتلة النقدية بالليرة من السوق، ودولرة الاقتصاد اي إتمام معظم التداولات في السوق بالدولار ما أدّى الى خفض الطلب على الليرة وعلى الدولار والى تقليص المضاربات في السوق. واكد ان هذا الاستقرار لن يعتمد لاحقاً على منصة بلومبرغ فقط عندما تدخل حيّز التنفيذ، وهو الامر الذي اعلن نواب الحاكم انه لن يبدأ قبل اتمام جزء من الاصلاحات التي طالبوا بها في الاشهر الستة المقبلة.