Site icon IMLebanon

الانهيار يدفع التجار الى الضغط للتسعير بالدولار

 

أصبحت التداعيات التي تلي التقلبات الحادة في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، روتينية، عند أي تطور سياسي سلبي أو أزمة مالية مستجدّة. فالمشهد نفسه يتكرّر بعد أي «خضّة» تولّد عاملاً نفسياً يضغط على سعر الصرف بالدرجة الاولى لتدخل عوامل اخرى كالمضاربات في السوق السوداء وسوق الصيارفة والمصارف، بالاضافة الى العوامل الاقتصادية والمالية النقدية التي تؤثر مباشرة على انهيار الليرة بشكل متسارع.

 

شكّل اعتذار رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري عن عدم التشكيل، «الخَضّة» المنتظرة والمتوقعة التي دفعت سعر صرف الليرة الى مستويات متدنية جديدة عند 24 ألف ليرة، ليهبط سعر الصرف خلال 24 ساعة حوالى 5000 آلاف ليرة مقابل الدولار، وهو رقم قياسي جديد تسجّله السوق السوداء.

 

استقال الحريري من هنا… وتهافت المواطنون نحو التخزين من هناك. وعادت مشاهد الرفوف الفارغة الى السوبرماركت من جديد بعد تهافت المستهلكين على التبضّع قبل تعديل الاسعار وفقاً لسعر الصرف الجديد المتوقع. إلا انّ التقلبات في سعر الصرف على مدار الساعة أفقدت المحال التجارية قدرتها على مواكبتها، ما دفع العديد منها الى الاقفال الى حين عودة الاستقرار النسبي لسعر صرف الليرة.

 

في المقابل، عمد عدد كبير من التجار منذ صباح امس، الى التسعير بالعملة الاجنبية واشتراط تسديد قيمة مختلف السلع حصراً بالدولار. وقد شمل هذا القرار قطاعات عدّة كالمطاعم والفنادق ومحال الالبسة وغيرها من المحال التجارية الاخرى، تفادياً لتكبّد التجار الخسائر نتيجة التقلبات الحادة في سعر الصرف. إلا انّ هذا الشرط لا يمكن تطبيقه فعلياً على أرض الواقع، بسبب شحّ السيولة النقدية بالدولار في السوق لدرجة فقدانها، مدعوماً باجتياح لاعبين كبار منهم صيارفة وتجار ومصارف، للسوق السوداء بحثاً عن الدولارات الموجودة، ما جعل من الصعب جدّا على الافراد الوصول الى العملة الصعبة خصوصا بعد ان علّقت المصارف العمل بتعميم مصرف لبنان 158 المنتظر والذي نصّ على تسديد 400 دولار نقداً شهرياً للمودعين.

 

وبدأت الاصوات تعلو مطالبة بتسعير السلع بالدولار، منها رئيس جمعية تجار جونيه وكسروان الفتوح سامي العيراني، الذي اعتبر ان تسعير السلع بعملة المصدر يحفظ مصلحة المستهلك والتاجر معاً ويعزّز موجودات البنك المركزي من العملة الصعبة.

 

وقال: «القوانين التجارية واضحة، التسعيرة يجب ان تكون بالعملة الوطنية وهذا حق، تماماً كالمعمول به في سائر الدول، تلك التي تكفل وتحمي شعوبها وتضمن قطاعاتها الانتاجية والعاملين فيها وتحافظ على ثبات نقدها. اما في بلدنا ويا للأسف، الدولة نصّبت نفسها عدوة للناس قبل ان تكون عدوة لنفسها وللوطن. فقوّضت العملة الوطنية وشرذمتها وحطّمت جميع المقاييس والمعايير التي تقوم عليها الدول السوية».

 

واكد انّ «القطاع التجاري لم يعد يحتمل المزيد من الخسائر، فاللحاق بالعملة التي خسرت اكثر من 95 % من قيمتها لم يعد يركن اليها لأن مضاعفات انهيارها سترتد كارثياً على التاجر والمستهلك على السواء وتغلق ما تبقى من المحال والمؤسسات التجارية».

 

وناشَد العيراني وزارة الاقتصاد وعلى رأسها الوزير راوول نعمه النظر الى الواقع التجاري المتأزم بحكمة وواقعية، آخذاً بالاعتبار مصلحة المستهلك والتاجر على السواء. فمصلحة الجميع تقضي بترك صاحب المتجر يسعّر بعملة المصدر ويصدر الفاتورة على الصندوق بالليرة اللبنانية الى ان يستقر سعر الصرف»، مشيراً الى انّ «الاتصالات جارية مع جمعية تجار بيروت وسائر جمعيات التجار في لبنان للوصول الى هذه الغاية».

 

قد يعالج اقتراح التسعير بالدولار مشكلة التجار، إلا انه لا يشكّل حلّا للأزمة المعيشية التي يعانيها اللبنانيون والمتفاقمة مع كلّ تراجع لسعر صرف الليرة، خصوصا ان عنوان المرحلة المقبلة هو رفع الدعم، والتي بدأت مع السلع الغذائية والاستهلاكية بشكل كامل، مرورا بالمحروقات بشكل جزئي، وصولا الى الادوية والمستلزمات الطبية التي أصبح جزء كبير منها غير مدعوم وسيعود الى الاسواق قريباً بسعر يعادل 16 ضعفاً السعر المدعوم!

 

ومن ضمن الاجراءات العشوائية وغير المدروسة التي تقرّر تطبيقها للتعويض عن تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين، هي البطاقة التمويلية التي لم تعد تجدي نفعاً اليوم، بعد ان تبدّلت المعطيات ونسب الارتفاعات في الاسعار ونسب التراجع في القدرة الشرائية. وإن كانت الدراسات والاحصاءات التي أجريت في السابق لتحديد قيمة البطاقة بحوالى 93 دولارا بهدف التعويض عن نسبة التراجع في القدرة الشرائية، فهي اليوم لم تعد صائبة خصوصاً مع رفع الدعم عن الادوية وارتفاع اسعار المحروقات والمولدات الكهربائية وكافة السلع الاستهلاكية.