IMLebanon

الدولار يفقد صفته المرجعية في عهد ترامب؟

 

ضعف الدولار امام اليورو يتحدى الكتب والاقتصاد والاقتصاديين ومقرري السياسات. منذ كانون الاول ٢٠١٦ ارتفع اليورو مقابل الدولار بنسب كبيرة ومعظم المحللين ينظرون الى الولايات المتحدة في محاولتهم لتفسير هذا التدهور الحاصل.

ما يجري الآن في الولايات المتحدة يساعد بلا شك على رفع سعر الدولار، سيما تشديد السياسة النقدية بعد فترة طويلة من التيسير الكمي جنبا الى جنب مع تخفيف الضرائب.

من ناحية اخرى اذا ما نظرنا الى اوروبا نرى أن التزامها معدلات الفوائد الصفرية على الاقل حتى العام ٢٠١٩ يساعد في اضعاف قيمة اليورو. ويبقى السؤال ما هي العوامل التي تساعد في إضعاف الدولار رغم الاتجاهات النقدية للفدرالي الاميركي.

معالجة هذا الموضوع ينبغي أن تتم من عدة جوانب قد يكون اهمها اسلوب القيادة المتبعة مع ترامب خصوصا انه لا يمكن التنبؤ بما سوف يحدث. اضف الى ذلك تصريحاته عن السياسة الخارجية سيما في ما يتعلق بكوريا الشمالية، وكذلك التحقيق في مسألة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الاميركية الأمر الذي

افقد ثقة المستثمرين في الاستقرار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة وساعد في إبعاد الدولار عن صفة الملاذ الآمن كما كان في الماضي.
هذا داخليًا، اما خارجيًا فهناك عوامل خارج البلاد قد يكون اهمها تنامي قوة العملات الرئيسية الاخرى واليورو على وجه الخصوص اذ شهد ارتفاعا ملحوظا هذا العام، والذي قد يكون نتيجة حتمية للتحسن الاقتصادي في منطقة اليورو. على سبيل المثال، شهد الربع الثاني ارتفاعا في الناتج المحلي بنسبة ٢،٢ في المائة اي ما يفوق توقعات المحللين وزيادة في الضغوط على المركزي الاوروبي لرفع اسعار الفوائد الامر الذي يساعد في تعزيز وضعية اليورو.

وهذا لا يعني انه لا توجد اسباب اخرى تدفع بالدولار الى التراجع حتى نهاية العام ٢٠١٨ مع سياسات ادارة ترامب وميولها الى دولار ضعيف على المدى الطويل، وهذا يعني عدم الاستقرار في اسعار الصرف، وآثار سلبية على الاستقرار المالي والاقتصادي سيما في الاسواق الناشئة والتي اذا ما شهدت تدفق اموال اليها قد يعني ذلك ارتفاع درجات حرارتها اقتصاديا وقدرتها على المنافسة تجاريا في الاسواق العالمية مما قد يعني ازمة جديدة.

اضف الى هذه الامور الحرب التجارية المعلنة حاليًا بين الولايات المتحدة والصين والتي قد تؤدي الى مزيد من تدهور الاسواق وعدم الالتزام سيما في الاقتصادات العملاقة. كذلك محاولات ترامب وادارته التركيز على ازالة العجز التجاري عن طريق زيادة الصادرات وتخفيف الواردات الامر الذي قد يؤدي الى مزيد من التراجع في سعر الدولار مع ابقاء الاقتصاد مزدهرا.

ورغم ان البنك المركزي الاوروبي ما يزال متخلفًا عن مجلس الاحتياطي الفدرالي في انهاء برنامج التيسير الكمي، ورفع اسعار الفوائد، إلا أن توقعات الصقور مقترنة بالبيانات الاقتصادية جعلت العملة المشتركة (اليورو) اكثر جاذبية من منافستها الاميركية.

والقوة التي تدفع الآن لاضعاف الدولار قد تكون هيكلية وسياسية وليست دورية مع ادارة تركز على محاولات كبح جماح الاختلالات الخارجية حسب David Bloom من HSBC.

اما الامر الاكيد اقتصاديًا فهو ان عجز الميزان التجاري ليس بالضرورة عاملا سيئا او مؤشر خلل في الاقتصاد، ولكن قد يبني ترامب هذا التوجه كونه رجل اعمال وليس اقتصاديا محنكا ويلتزم بالمعادلة الحسابية البحتة اي مجموع الصادرات عليها ان تساوي مجموع الواردات.

وتعتبر عملية الحرب التجارية مع قوة عظمى اقتصاديًا مثل الصين ليس المثال الاحسن من اجل تخفيف هذا العجز انما قد ينعكس سلبًا على اميركا والادارة الاميركية ويخلق جوًا من عدم الاستقرار الذي قد يؤثر على الدولار والمستثمرين واحتياطي المصارف المركزية حول العالم من الدولار الاميركي ويجعلهم يتهافتون الى اليورو.

فهل سيواجه الدولار لحظات سبق أن تعرض لها في التاريخ الاميركي اي في الاعوام ١٩٨٠ و ٢٠٠٠ حيث وصل سعر صرف الدولار الى ادنى مستوياته؟

وماذا يعني ذلك للأسواق المالية؟ علما ان الكثير من الاجوبة تستند الى اسباب انخفاض سعر صرفه، في حين أن ضعفه يساعد في ان تكون الصادرات في وضعية اكثر تنافسية.

لكن ذلك يتطلب مردودا اكبر لاقناع المستثمرين وضع مالهم في عملة قيمتها على انخفاض. والتفسير الثاني هو ان المستثمرين الاميركيين في اسواق السندات قد يطلبون غلات اكبر اذ يعتقدون ان النمو سوف يدفع بالتضخم الى مستويات اعلى وبالتالي المردود قد يكون أعلى.

اما بالنسبة للعالم، فان اوروبا غير راغبة مطلقًا بارتفاع اليورو على هذا النحو بينما الحياة قد تبدو اسهل في البلدان الناشئة مع دولار منخفض سيما وان عملاتهم مرتبطة بسعر صرف العملة الخضراء ويعطيهم فرصة لخفض اسعار فوائدهم وتسريع النمو.

ولكن الامور يمكن ان تنعكس اذا ما تمادت سيما اذا ما انسابت اموال كثيرة الى البلدان الناشئة الامر الذي سوف يدفع بهم الى التعاطي مع الامر على نحو مختلف خصوصا في ظل اقتصادات تغلي، وقد تشكل حواجز أمام النمو الاقتصادي. لذلك قد يرى المستثمرون في ضعف الدولار بعض الحسنات انما من المستحسن ألاّ تخرج الامور عن السيطرة.

لذلك تبدو الحياة اسهل بالنسبة للبلدان النامية عندما تنخفض اسعار الدولار، وعلى سبيل المثال هذا ما جرى في الأزمة المالية الاسيوية مع ارتفاع الدولار في العام ١٩٩٠. خلاصة القول ان الامور تجري بشكل يجب معه توخي الحذر سيما وان التقديرات تجري عكس المعايير الاقتصادية.

واذا قررت اميركا أن تمضي في ارتفاعات متتالية للفائدة عام ٢٠١٨ ، قد تنعكس الامور رغم ما سعى اليه ترامب في سياسة حمائية وتصريحات نارية عن ارادته في ان يبقى الدولار ضعيفا.

في النهاية، ضعف الدولار وعدم استقراره يجعله على عكس المعتاد عملة قد لا تكون مرجعية، اقله خلال سنوات ولاية ترامب ومع وجود اشخاص مقربين منه في الفدرالي الاميركي.