IMLebanon

فقط عشرة آلاف

 

لا تزال الصورة ماثلة في الذاكرة، في عهد الرئيس أمين الجميل، ثمانينات القرن العشرين الماضي، وكأنها من الأمس القريب: وقف الرئيس المرحوم كميل شمعون أمام الكاميرا، في القصر الجمهوري، واستلّ من جيبه ورقة الخمسين ليرة ولوّح بها مُحذّراً من أن الدولار قد يرتفع إلى أن يبلغ ذلك الحد. وكانت ورقة الخمسين فئةً عُليا، إذ كانت الليرة الواحدة لا تزال فاعلة، وحتى ربع الليرة، وربّـما العشرة قروش كانت لا تزال قيد التداول.

 

قبل ذلك ببضع سنوات، وخلال حرب السنتَين، ارتفع الدولار قرشَين إثنَين على حساب الليرة اللبنانية. فقط قرشان. فقامت القيامة ولم تُقعَد. اتصل رئيس الجمهورية آنذاك المرحوم سليمان فرنجية برئيس الحكومة الشهيد المرحوم رشيد كرامي واتّفقا على «إجراءاتٍ عاجلة» لضبط العملة الخضراء التي كان سعرها لا يتجاوز الليرتَين ونصف الليرة.

 

وقبل هذا وذاك بثلاث – أربع سنوات، كانت الليرة اللبنانية إحدى العملات الصعبة في العالم.

 

ولعلّني ذكرت هنا، في عجالة سابقة، أنني اضطررتُ ذات يوم إلى شراء المارك الألماني في فرانكفورت، فَوَلجتُ إلى أول مصرف، وبدّلت بضع مئات من الليرة اللبنانية بالعملة الألمانية، فتمّت العملية بسلاسة وسرعة، من دون أي عائق، مثل أي عملةٍ صعبةٍ أُخرى.

 

إنه ماضٍ جميلٌ وعزيز، طبعاً ذهب مع الريح ولن يعود، في حينه كانت ليرتنا اللبنانية تُساوي ماركَين إثنَين وفرنكَين إثنَين من العملة الفرنسية! ويوم أمس بالذات، الثلاثاء الذي وقع فيه الثاني من آذار 2021، وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى عشرة آلاف ليرة لبنانية؟!. من ليرتَين ونصف الليرة إلى فقط عشرة آلاف لا غير!

 

إنه زمنٌ لبنانيٌ قاتم، مُحزن، مؤلم، وبالغ الخطورة!

 

كيف سيتمكّن المواطن اللبناني العادي من أن يمضي قُدماً إزاء هذا الإنهيار المهول في عملته الوطنية، والحدّ الأدنى للأجور بات يُوازي شهرياً 65 دولاراً. أما تكاليف الحياة، فتضاعفت آلاف المرات في المئة.

 

يقولون إن السلطة عاجزة. وهذا قولٌ يُوازي الانهيار خطورةً. فليس في قاموس المسؤولية السياسية والوطنية تبريرٌ للعجز. فالمسؤول يكون قادراً وفاعلاً، أو يرفع الراية البيضاء مستسلماً ويرحل.

 

نقول هذا من دون أي يكون لدينا أملٌ في أن أي سلطة بديلة ستكون قادرةً على وقف هذا الانهيار مع هذا الطاقم السياسيّ في المسؤولية وخارجها. فاللعب والتلاعب بمصير العباد والبلاد أوصلانا إلى حيث نرسف في قعر البلدان المتخلّفة والعاجزة والفاسدة. وإذا كانت تلك البلدان، من العالم الثالث… عشر قد اعتادت هكذا نمطاً من الحياة، فنحن اعتدنا نمطاً آخر مختلفاً.

 

الدولار بعشرة آلاف ليرة ولا تباشير بتوقّف صعوده! فهل ثمّة غير الفوضى في المجالات كافةً!؟. لطفك يا الله.