لا شك في انّ الأزمة المستجدة مع دول الخليج العربي طغت على ما عداها من تطورات، ومع ذلك، وربطاً بهذه الأزمة، ازداد منسوب الاسئلة عن مصير الدولار، وتماماً، كما أصيب المواطن بالهلع بعد حادثة الطيونة، وراح يسأل اذا ما كان الدولار قد أصبح بلا سقف؟ اليوم، عاد السؤال نفسه الى الواجهة.
في الواقع، لا تزال المعطيات كما كانت في السابق، ولو انّ الأزمة الحالية أشد قساوة من الوجهة المالية، لأنّها تؤثر بشكل مباشر على تدفّق العملات الى الداخل. كما انّها من الوجهة النفسية، تجعل الثقة بالليرة تنهار اكثر فأكثر. ومع ذلك، لا بدّ من تسجيل ملاحظات اساسية قد تسمح بالقول، انّ الدولار، وإن استمر في الارتفاع التدريجي، الّا أنّه لا يزال ضمن السقوف المقبولة.
هل يعني ذلك، انّه اذا استقالت الحكومة الميقاتية، وتراجعت حظوظ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وتوقفت المساعي القائمة لإنجاز خطة اقتصادية يجري التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي، سوف نشهد قفزات دراماتيكية للدولار، وصولاً الى مرحلة التضخم المفرط (Hyperinflation). بمعنى آخر، هل هناك خطر من انتقال سعر الدولار في غضون الشهرين المتبقيين من العام 2021 من 20 /21 الف ليرة، الى 30 /40 الف ليرة؟
بصرف النظر عن كل الأزمات التي برزت في الاشهر العشرة الاولى من العام 2021، كانت التقديرات تشير الى انّ الدولار قد يُنهي السنة على معدل 25 الف ليرة. هذا السعر كان مقتبساً من عملية حسابية ترتبط بالمسار الذي سلكه الدولار في العام 2020. وقد تبين انّ سعر الدولار تضاعف حوالى 3 مرات، اي زاد بنسبة 300%. واذا اعتبرنا انّ التطورات في العام 2021 لا تختلف كثيراً عن العام السابق، واذا اخذنا في الاعتبار انّ الوضع المالي والاقتصادي لم يشهد اي تطور ايجابي، يمكن ان يسمح بالاعتقاد انّ نسبة انهيار الليرة يفترض ان تكون أقل من العام 2020، فهذا يقود الى الاستنتاج انّ الدولار سينهي مسيرته هذه السنة على سعر 25 الف ليرة.
اليوم، ورغم التطورات الخطيرة والمأساوية التي حصلت في غضون 20 يوماً، لا يبدو انّ التقديرات التي أُعلنت في الفصل الاول من 2021، ستكون بعيدة من الواقع. ومن المؤكّد انّ الدولار، سيمضي في الارتفاع التدريجي، وصولاً الى حوالى 25 الف ليرة، من دون الإدّعاء انّ في الإمكان الجزم بأنّ هذا الرقم هو «جواب نهائي»، لأنّ الحسم في موضوع من هذا النوع مستحيل.
لكن، علينا ان نلاحظ انّ وقتاً طويلاً نسبياً سيمرّ قبل ان يضطر مصرف لبنان الى فتح اعتمادات جديدة لاستيراد المحروقات، لأنّ نسبة الاستهلاك وصلت الى مستويات غير مسبوقة من حيث الإنخفاض. لقد توقفت دورة الحياة الطبيعية في البلد، وستكون الحاجة الى الدولارات أضعف بكثير مما كانت عليه قبل شهرين أو ثلاثة. وحان الوقت لكي تصدر شركات استيراد النفط ارقاماً إحصائية حول نسب الانخفاض هذه.
بالإضافة الى انّ القدرات المالية بالليرة تراجعت بدورها، بحيث انّ لا قدرة كبيرة على تشكيل ضغط على الليرة من خلال تزايد الطلب على الدولار، لأنّ الليرة غير موجودة بالوفرِ المطلوب لكي يزداد الطلب على العملة الخضراء. حال اللبنانيين اليوم مع الدولار، ما يردّده الإعرابي في هذا الوضع: «حقها قرش وما معنا قرش».
الاستنتاج النهائي، انّ المشكلة لن تكون بارتفاع دراماتيكي للدولار بسبب الأزمة القائمة اليوم، بل انّ المشكلة تكمن في انّ لبنان سيخسر المزيد من الوقت، وسيرتفع منسوب الإحباط، وستتعرض مؤسسات اضافية الى ضغوطات قد تؤدي الى إقفالها، والى ارتفاع عدد العاطلين من العمل. وسنقترب اكثر فأكثر من مفهوم الدول الفاشلة التي تنهار وتفلس، لكنها لا تقف مجدداً على رجليها، وتغرق في الدوامة لعقود وليس لسنوات.