رغم الخضّة الناجمة عن الخلاف بين لبنان والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وقرار وقف الصادرات اللبنانية الى السعودية، لم يشهد الدولار في السوق الموازي تقلبات حادة كما كان متوقعاً، لا بل تحرك ضمن هامش ضيّق فارتفع من 20 الفا و300 ليرة الى 21 الفا، وما لبث ان عاد ادراجه الى 20 الفا و800 ليرة امس، أي بزيادة نحو 500 ليرة. فهل من اسباب وراء عدم تأثر سعر الدولار بالاحداث؟ أم انّ الغد لناظره قريب؟
يشكّل ارتفاع الطلب على الدولار عاملا اساسيا لارتفاع سعره في السوق الموازي، لكن استقراره مؤخرا على 20 الفا رغم الخضّات المتلاحقة في البلد قد يكون دليلا على تراجع طفيف في حجم الطلب عليه بسبب تراجع الاستهلاك الى حدوده الدنيا. فمن جهة ما عاد المواطن يملك الليرة بوَفرة لشراء الدولار بل بات يملك الدولار أكثر، ومن جهة أخرى وبسبب تراجع القدرة الشرائية تراجَعَ الاستهلاك ما أدّى الى انخفاض فاتورة التجار، لا سيما منهم اللذين يستوردون البنزين. فقد بات من السهل ملاحظة تقلص حركة السير على الطرقات وطلب المحروقات على المحطات.
وفي السياق، كشف الرئيس السابق لتجمع الشركات المستوردة للنفط مارون الشماس ان استهلاك البنزين تراجع ما بين 30 الى 50 %، وتختلف النسبة باختلاف المناطق، عازياً ذلك الى ارتفاع سعر صفيحة البنزين بتخطيها الـ300 الف ليرة في الاسبوعين الماضيين.
واضاف لـ”الجمهورية”: بعدما كانت حاجة السوق اليومية من البنزين 10 ملايين ليتر تراجعت الى نحو 6 ملايين. اما المازوت فلا يزال الطلب عليه مستقراً في ظل عدم توفر الكهرباء والحاجة الدائمة الى المولدات، اما شراؤه لغرض التدفئة فلم يبدأ بعد، مُرجّحاً ان غالبية المستهلكين احتاطوا للامر وملأوا خزاناتهم عندما كانت لا تزال المحروقات مدعومة.
ورأى انه بعد ارتفاع اسعار المحروقات وتراجع قدرة المواطنين على الاستهلاك، باتت كل شركة مُجبرة على اعادة برمجة استيراد البواخر، فالكميات المستوردة التي كانت تكفي السوق شهرا باتت اليوم تكفيه حوالى الشهر والنصف.
وردا على سؤال، اوضح الشماس ان طلب الدولار للمحروقات لا يزال يقتصر على شراء المازوت والغاز، علماً ان كمية الغاز المستوردة تُعدّ زهيدة مقارنة بكميات المازوت والبنزين، والمصرف المركزي لا يزال يؤمن الدولارات لشراء البنزين وهو لم يبلغنا بعد عن موعد رفع الدعم كليا عن هذه المادة. أما عن التسعيرة المتوقعة اليوم لاسعار المحروقات فقال: لا علم لنا بها وعندما سعّر المركزي الدولار بـ 20 الفا للبنزين لم نكن على علم بذلك، وعندما خفّض التسعيرة الى 19 الفا للدولار الاسبوع الماضي (وهي السبب وراء تراجع سعر الصفيحة) ايضا لم نكن على علم بالاسباب، والتي تعود على الارجح لامتصاص نقمة الناس.
ابو سليمان
ومع تقلّص حجم الاستهلاك هل يمكن التكهن بمسار الدولار في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد أزمة وقف الصادرات الى السعودية، والتي كانت مصدراً لإدخال «الفريش» الى البلد؟
يقول الاقتصادي وليد ابو سليمان لـ”الجمهورية” ان مسار الدولار سيظل تصاعديا انما بوتيرة أبطأ، وذلك بسبب تراجع الاستهلاك بنسبة تتراوح ما بين 30 الى 40 في المئة. أما بالنسبة الى المحروقات، فصحيح ان الطلب على البنزين تراجع إذ يمكن الحد من التنقلات، انما الطلب على المازوت لا يزال على حاله لأنه مادة أكثر حيوية لا يمكن الاستغناء عنها لأننا بحاجة الى تشغيل المعامل والانتاج وتوليد الطاقة، ولاحقاً التدفئة. لذلك يمكن القول ان تراجع الاستهلاك أثّر في وتيرة الارتفاع انما مسار الدولار لا يزال تصاعديا.
واعتبر ابو سليمان ان ما ساهم ايضا في الحد من ارتفاع الدولار يتمثّل في التعاميم المصرفية التي قلصت من قدرة المواطنين على سحب الليرة من المصارف،ّ ما حثهم الى اخراج ما يعرف بـ»دولارات البيوت» او استخدام التحويلات المالية من المغتربين لتأمين حاجاتهم الاساسية.
وتابع: صحيح ان كل هذه العوامل فرملت من مسار الدولار التصاعدي انما ستؤدي الى الكساد الاقتصادي اي الانتقال من الانكماش الى مرحلة اصعب يصبح فيها النمو سلبيا ويتباطأ الاستهلاك… هي اسوأ حالة ممكن ان يمر بها الاقتصاد بنتيجة خنق السيولة.
أما عن تداعيات الأزمة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج على اقتصاد لبنان، فيقول ابو سليمان: من الطبيعي الّا يشعر المواطن بتداعيات هذه الأزمة بعد مرور بضعة ايام عليها فقط، انما اذا طالت وتفاقمت فسيشعر بها حتماً بعد اسبوعين او ثلاثة. ومن اولى تداعياتها اهتزاز الثقة بين لبنان والبلدان العربية والخليجية، والتي هي «شئنا ام أبينا» الشريك التجاري الاول للبنان. كذلك ستمتد تداعيات هذا الخلاف على التصدير الى الخارج، والذي كان يساهم في ادخال ما يقارب الـ 600 الى 700 مليون دولار من الفريش دولار الى البلد من كل من المملكة (250 مليون دولار وحدها) ودول الخليج. وبنتيجة ذلك سيتكبّد الصناعيون والمزارعيون خسائر هائلة ستؤدي الى تلف المحصول الزراعي وكساده. كل هذه الانتكاسات ستتوالى تباعاً وتفقد الثقة بالعملة الوطنية، وبالتالي سيتمسك المواطن أكثر فأكثر بسلعة الدولار التي ستصبح نادرة.