Site icon IMLebanon

الدولار مع ترامب: ليونة أكثر حيال الأسعار

كتب بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي، «ان سعر صرف العملة هو اهم سعر في الاقتصاد سيما وانه يؤثر على اسعار الواردات والصادرات وعلى مستوى النشاط الاقتصادي». هذا الكلام جاء في الصفحة ٢٣٢ من كتاب «الحظوظ المتغيرة» الذي كتبه فولكر مع سترونغ تويو غيوهتن، نائب وزير الشؤون الدولية في وزارة المالية اليابانية.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ويثير تساؤل المحللين والعملاء والاقتصاديين على السواء، ماذا يحدث في قيمة الدولار سيما وانه في ٣١ تموز ٢٠١٧ وصل سعره الى ١،١٨ مقابل يورو واحد وفي أوائل كانون الثاني من هذا العام تدنى الى مستويات قاربت ١،٠٥ دولار لشراء اليورو مما يعني ان سعره تدنى بنسبة ١٢ في المائة منذ ذلك الحين.

من يتابع اسعار العملات يرى ان هذا السعر الذي وصلنا اليه اليوم رأيناه آخر مرة في منتصف كانون الثاني عام ٢٠١٥. في ذلك الوقت كانت اوروبا والمركزي الاوروبي تدخل في اول عملية تيسير كمي لها، بينما كانت الولايات المتحدة تنهي الجولة الثالثة من هكذا عملية.

قد تكون سياسة ترامب منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة غير تقليدية مقارنة بالرؤساء السابقين سيما وانه وعلى عكس اسلافه اظهر رغبته في ابقاء العملة ضعيفة وذهب بعيدًا حتى قال «الكثير من الامور السيئة تحدث مع الدولار القوي».

اضف الى ذلك تغيّر لهجته في ما يتعلق بشخص جانيت يلين رئيسة الفدرالي الاميركي عندما قال لـ«وول ستريت جورنل» انها «قامت بعمل جيد» وهذا يتناقض والى حد بعيد مع مواقف له سابقة انتقد فيها يلين وادائها في المركزي.

حتى الآن يبدو ان ترامب حصل بالفعل على ما يريد وتراجع الدولار امام سلة من العملات لأكثر من ٩ بالمائة الامر الذي اذهل تجار العملات الذين لم يتوقعوا ما سوف يحصل. وتغيرت ديناميكية الاقتصاد واجندة عمل ترامب تراجعت في الكونغرس كذلك حماسته لفك الاتفاقيات التجارية العالمية مما ساعد على انخفاض مؤشر الدولار الى ادنى مستوى له خلال ٥ اشهر.

والسؤال الذي يطرحه الجميع: ماذا يحدث؟ سيما وان قوة الدولار ما بين ايار ٢٠١٤ ومطلع السنة الحالية لم يكن مجرد خطأ من مجلس الاحتياطي الفدرالي او من الحكومة الاميركية.

في بالواقع بدأت الولايات المتحدة في الانتعاش من ركود حاد في تموز ٢٠٠٩ وتزايد النمو منذ ذلك الحين بينما كان النمو الاقتصادي في الدول الاخرى متعثرا وابطأ مما هو عليه في اميركا مما دفع بالسياسات الاقتصادية في مختلف انحاء العالم الى السير في اتجاهات مختلفة.

وفي حين اختتم مجلس الاحتياطي الفدرالي برنامج التيسير الكمي وبدأ العمل لعودة اكثر طبيعية لأسعار الفوائد، نرى ان البنوك المركزية الاخرى سيما الاوروبية واليابانية وفي الصين طبعًا مازالوا يواصلون تحولًا لم يعيدهم بعد الى المرحلة التي وصلت اليها الولايات المتحدة.

وقد تكون ديناميكية الاقتصاد الأميركي وقدرات أسواق العمل كافية لاحداث هذا التغيّر السريع بينما تباطأت الاقتصادات الاخرى ولم تصل الى هذه المرحلة الا بعد فترة طويلة، وبدأت اقتصاداتها تظهر نموًا اسرع. ولكن يبقى أن هذا التفسير ليس الوحيد المتاح.

الامر الاكيد ان التوقعات مع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية ووعوده بخفض الضرائب والانفاق على البنى التحتية وتخفيف القوانين كانت عوامل كافية لزيادة النمو الاقتصادي ورفع اسعار الفوائد. هذه العوامل تعتبر ايجابية للغاية في تعزيز قيمة الدولار، لكن هذه الآمال تضاءلت مع الوقت وتعثرت امام الكونغرس ومن المرجح انه وعلى الاقل في المستقبل القريب لن يستطيع ترامب تحقيق اي منها.

الواقع ان التفكير داخل الحكومة الاتحادية، كذلك تفكير مسؤولي مجلس الاحتياطي الفدرالي، يمضي في اتجاه تجديد الجهود الرامية الى التركيز على نفخ الائتمان، وهذا النوع من السياسات الحكومية هيأت الظروف التي انهت النظام النقدي الذي نشأ من Bretton wood على اساس معيار الذهب واسعار الصرف الثابتة في العام ١٩٧١، والذي ادّى الى انخفاض قيمة الدولار على مدى ٣٨ عامًا بنسبة تزيد عن الثلث. ويعتقد البعض ان الامر ضروري.

في دراسة لصندوق النقد الدولي عن علاقة العملات ببعضها بين ٢٩ من اكبر اقتصادات في العالم، تبيّن ان الدولار ثاني اكبر عملة مبالغ بقيمتها بين هذه البلدان وبمقدار تقريبي حوالي ١٥ بالمائة بينما نرى العملة الصينية منضبطة بعض الشيء اما اليورو فهو أقل من قيمته بنسبة واحد في المائة فقط.

ماذا يعني دولار ضعيف؟

للدولار الضعيف آثار ايجابية وسلبية. فهو يسمح للولايات المتحدة بالتنافس بشكل افضل مع الخارج، وترامب يعرف جيدًا ان الدولار القوي سيضر بجهوده واسعار البضائع المصدّرة ستكون غير تنافسية في الاسواق العالمية. كذلك فان الدولار القوي يعني ان ارباح الشركات الموجودة في الخارج ستتأثر سلبًا.

يبقى السؤال في خضم كل ما يجري داخل الادارة الاميركية من تحولات تجعل من الصعب على المحللين والمستثمرين التنبؤ بما يجري، او اذا ما كانت المحاولات الاميركية متجهة الى تضخيم الائتمان ام التركيز على قضايا مثل زيادة الانتاجية والقدرة على المنافسة مع المانيا والصين.

الامور الاقتصادية منذ انتخاب ترامب ولغاية الآن تبدو معاكسة لما يريده ترامب سيما وانه هاجم يلين في البدء وطالب بزيادة اسعار الفوائد الامر الذي يعني دولارا قويا ومستثمرين كثر. ولكن بعد بضعة اشهر في السلطة يبدو انه اصبح اقل عدائية ليلين واكثر سلاسة مع الدولار الامر الذي يثير الريبة.

ومناخ عدم الاستقرار لا يحبذه المستثمرون بشكل عام، ويساعد في كل ذلك التحولات الجديدة في الاقتصاد الاوروبي، وان كانت بطيئة انما تعكس نمواً يؤثر في تحرّك العملات صعودًا وهبوطًا.