فيما أصبح احتياطي مصرف لبنان بالعملات الاجنبية مستباحاً لتمويل استحقاقات لبنان الخارجية ودعم استيراد السلع الاساسية، يرجّح الخبراء انّ هذا الاحتياطي الذي تختلف التقديرات حول حجمه الحقيقي، يمكن ان يستمرّ في تمويل احتياجات لبنان الخارجية لغاية آذار 2021، قبل ان يتمّ استنزافه بالكامل.
تكثّف الحكومة اجتماعاتها المالية، حيث ترأس رئيسها حسان دياب ورشة اقتصادية مالية ضمّت جميع الوزراء والمسؤولين الماليين المعنيين، فيما عقد وزير المالية غازي وزني اجتماعات متتالية مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (امس الاول) ورئيس جمعية المصارف سليم صفير (امس) من اجل التوصل الى اتفاق حول كيفية التعامل مع استحقاق آذار المقبل البالغة قيمته 1.2 مليار دولار، من ناحية تسديده او إعادة هيكلته.
لكنّ الحكومة لا تملك ترف الوقت لاتخاذ هذا القرار المصيري، في حين تبدو عملية إعادة هيكلة الدين العام، بالنسبة للمستثمرين الاجانب، محتومة خلال الأشهر الثلاثة أو الستة المقبلة.
فهل سيعتمد وزير المالية على اقتراح سلامة باستبدال سندات استحقاق آذار، والتي يحملها مستثمرون محليون والبالغة قيمتها 660 مليون دولار، بأخرى ذات آجال أطول وبفوائد اعلى، الى جانب تسديد استحقاق السندات التي يحملها مستثمرون اجانب، والبالغة قيمتها 540 مليون دولار؟ الجواب سيتمّ الاعلان عنه يوم الاثنين، حين يستكمل رئيس الحكومة اجتماعه المالي المصيري مع المعنيين، ويتمّ اتخاذ القرار النهائي بهذا الشأن. علماً انّ أي عملية إعادة هيكلة للسندات السيادية تحتاج لأن يبدأ التفاوض بشأنها مع المستثمرين الاجانب قبل 21 يوماً على الاقلّ، للحصول على إجماع 75 في المئة من حملة السندات، لأنّ لبنان هو واحد من الدول القليلة، إلى جانب جزر البهاماس وأذربيجان ومقدونيا وبولندا، التي لم تدرج ما يسمّى بشروط العمل الجماعي المعززة أو collective action clauses CAC، في الإطار القانوني الذي يحكم مبيعات السندات.
باز
في هذا الإطار، إعتبر الخبير الاقتصادي فريدي باز، انّ القرار البديهي والذي لا يحتاج للتفكير فيه، هو عدم الإيفاء بالاستحقاق المقبل نظراً لظروف البلاد المالية والاولويات التي يجب تحديدها، والتي لا تبدأ قط بتسديد استحقاق اليوروبوند. وشرح لـ«الجمهورية»، انّ مخزون لبنان من العملات الصعبة والدولارات الحقيقية محدود جدّاً، «كما اننا بلد غير منتج ولا نملك أي اكتفاء ذاتي غذائي وطبي، ونعاني من أزمة سيولة حادّة بالعملات الصعبة، وبالتالي لا يجب ان يكون تسديد استحقاق اليوروبوند في المرتبة الاولى ولا الثانية ولا الثالثة ضمن سلمّ اولوياتنا».
وشدّد باز على غياب القرار السياسي في البلد، لافتاً الى انّ حكومة تصريف الاعمال اعتبرت انّها غير مسؤولة عن اتخاذ هذا القرار. كما انّ الحكومة الجديدة توحي بأنّها، قبل نيل الثقة، غير مؤهّلة لاتخاذ قرار التخلّف عن السداد وإعادة الهيكلة، «في وقت يُنظر لتلك الاعتبارات على انّها ثانوية نسبة للامور المالية الملحّة في البلاد».
وقال، انّه «يجب في الامس قبل اليوم البدء بالمفاوضات، ليس فقط مع حَمَلة السندات من اجل إعادة هيكلتها، بل مع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي. لانّه من الواضح انّ لبنان لا يملك امكانيات ذاتية للخروج من الأزمة التي يمرّ بها، وبالتالي هناك حاجة ملحّة لدعم مالي خارجي وبمستويات كبيرة».
أضاف: «عندما نقدّر حاجات البلاد على مدى 3 سنوات بـ25 مليار دولار من الدعم الخارجي، تصبح فرضية تسديد استحقاق بقيمة 1.2 مليار دولار او التخلّف عنه، ساذجة. حيث انّ مبلغ الـ1.2 مليار دولار يوازي فاتورة استيراد أدوية للشعب اللبناني على مدى سنتين، أو فاتورة قمح على مدى 6 سنوات».
واوضح، انّ تراجع متوسط أسعار سندات اليوروبوند اللبنانية في سوق السعر الثانوي الى اقلّ من 50 سنتاً، هو مؤشر لنظرة حَمَلة السندات على عدم قدرة الدولة اللبنانية على الإيفاء باستحقاقاتها.
وكشف باز، انّه التقى مسؤولين في احدى المجموعات الاكبر في العالم من حَمَلة السندات السيادية اللبنانية، والتي تعتبر انّ عملية إعادة هيكلة الدين العام لا مفرّ منها ولم تعد هي «شغلها الشاغل»، بل شروط إعادة الهيكلة الأهمّ هي:
– هل ستعتمد على تمديد آجال استحقاق السندات بالفائدة نفسها والاساس نفسه؟
– هل ستعتمد على خفض اساس السندات بالفائدة نفسها؟
– هل ستعتمد على خفض الفائدة والإبقاء على الاساس والآجال نفسها؟
– أو انّها ستعتمد على خفض الاساس والآجال والفائدة؟
وشرح باز، انّ التخلّف عن الدفع او طلب إعادة الهيكلة لن يكون «مصيبة كبيرة» ولن يحرم لبنان من الاسواق المالية العالمية، لأنّ الاسواق على عكس ما تظنّ الغالبية، تتمتّع بذاكرة قصيرة، والدليل على ذلك اصدار اليونان أخيراً سندات يوروبوند بفائدة سلبية.
وفيما لفت باز الى انّ الاسواق العالمية تتوقع ان يكون لبنان مدركاً لصعوبة وضعه المالي وقادراً على اتخاذ قرارات عقلانية، اكّد انّ إعادة هيكلة الدين الاجنبي بطريقة علمية وموضوعية، هو أمر يُطمئن الاسواق أكثر من المراوحة التي تعيشها البلاد.