أسدل الرئيس نبيه بري الستارة على مسرحية « قانون الإنتخابات» إحدى روائع السقوط السياسي في لبنان، منهياً بذلك مساراً من عمليات الإستنساخ والتشويه لإنتاج السلطة في مختبرات الطائفية السياسية. لا أسف على كافة الصيّغ التي طرحت دون استثناء، والتي عبّرت، خارج إطار بديهيات علم الإجتماع السياسي، عن استعراضٍ أداره حالمون باستعادة الماضي الذي شطبه اتّفاق الطائف كي تصبح الديمقراطية ممكنة. خُيّل للبنانيين بادىء ذي بدء أنّ إندفاعة هؤلاء نحو تطوير عدالة وصحة التمثيل ربما ستعوّضهم السنوات التي مرّت دون تطبيق اتّفاق الطائف، وستأخذهم حكماً إلى قانون عصري خارج القيد الطائفي، ليُصدموا بطروحات لا تقارب الطريق إلى الطائف، بل تشبه ترتيبات مجالس إلإدارة الذي عرفها لبنان في زمن المتصرفية بعد سقوط الإمارة وانتقال التبعية من الأمير إلى رأس المال.
المسار الإجرائي والسياسي برمّته الذي رافق ذلك الجنوح غير المألوف وغير المبرّر لإنتاج قانون للإنتخابات اعتمد القفز الدائم فوق الدستور، بدءاً من عدم توقيع مرسوم تعيين هيئة الإشراف على الإنتخابات مروراً بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وانتهاءً بالتلويح بالفراغ. وما تأجيل الجلسة الى التاسع والعشرين من الجاري أي إلى ما قبل انتهاء العقد العادي بيومين سوى اختصار أسبوعين من عضّ الأصابع والتلاعب بالمهل بين رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي بعد أن قاربنا تكريس عُرف إخضاع الدستور للقرار السياسي وتمركز الحكم خارج المؤسسات والإكتفاء بعد ذلك بتدبير الأمر.
جلسة مجلس النواب في التاسع والعشرين أضحت أمراً واقعاً والتمديد للمجلس النيابي لا مفرّ منه ومن إصداره خلال خمسة أيام من توقيعه وفقاً للمادة 56 من الدستور، ولن يُجدي توقيع مرسوم عقد استثنائي سوى إلى تأجيل هذا المصير لأيام معدودة. جلسة التمديد ستُفضي إلى اصطفاف سياسي قاسٍ سيُعيد خلط الأوراق وصياغة التفاهمات التي تعايشنا معها لسنوات، كما ستؤدي المساكنة القسرية بين مجلس النواب من جهة ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، إلى انعكاسات سلبية على الأداء الحكومي في ملفات النفط والكهرباء والبيئة والنفايات. وربما تؤدي التحالفات الإنتخابية الجديدة الى إنهاء تقليد حكومات الوحدة الوطنية التي عطلت الحياة السياسية في لبنان منذ اتّفاق الدوحة.
إنّ أتعس ما يواجه لبنان أنّه لا يعرف إلى أين هو ذاهب والى أين يذهبون به، واللبنانيون تعساء لأنهم فقدوا حتى المرجع الذي يتلقى الشكوى، ومع ذلك لا زالوا يتحدثون عن الشرعية والبديل، جزء منهم ذاهب إلى الحرب والجزء الآخر ذاهب الى اليأس والندم.
يعتقد أهل السياسة البسطاء في لبنان الذين لا زالوا يسكنون التاريخ، أنّ ضجيجهم الإنتخابي وحديثهم عن التعدّدية اللبنانية هو قيمة كافية للحفاظ على لبنان، وانّ ما يعرف بالمظلّة الدولية لحماية استقرار لبنان إنّما ينبع من الحفاظ على النموذج اللبناني الذي بدونه سيُعاد النظر بخرائط المنطقة. إنّ المطلوب من هؤلاء القيّمين حتى إشعار آخر على مستقبلنا وأمننا واقتصادنا أن يدركوا أنّ التّحدي هو في إعادة وضع لبنان على خريطة المنطقة، كمكوّن فاعل في منظومة الشرق الأوسط، وتقديمه كشريك يضطلع بدور يتناسب مع إمكاناته، وليس تقديمه كوطن إفتراضي في غرفة العناية الفائقة يستجدي العناية بشكل دائم. ألم يكن من الأجدى أن يحاول جهابذة البحث عن مؤتمر تأسيسي من خلال قانون الإنتخابات التعامل بجديّة مع تفكيك منظومة حزب الله الدفاعية على الحدود الشرقية ومناقشة أبعادها بدل أن يظهر الوضع وكأنّه تبديل روتيني بين وحدتين عسكريتين في جيش واحد!!!! أليس من الأجدى أن تناقش الحكومة، وقد دُعيت الى القمة الإسلامية – الإميركية، الإنخراط الأميركي الكبير مع الشركاء التقليديين لواشنطن في الخليج والشرق الأوسط وما يعنيه اختيار الرئيس ترامب الرياض محطته الأولى، وما هي انعكاسات زيارته للأراضي الفلسطينية المحتّلة على مسار عملية السلام وعلى الوجود الفلسطيني في لبنان؟ أين هي ورقة العمل اللبنانية، أليست هذه أولوية وطنية قبل أي شيء آخر وفي مقدّمة مهام وزارة الخارجية بدل إعادة استنساخ قوانين انتخابية على طريقة «النعجة دوللي» التي قرر معهد روزلين في اسكتلندا الذي أنتجها إنهاء حياتها بأسلوب الموت الرحيم لشيخوختها المبكرة، والتي اُثارت جدلاً علمياً حول أخلاقيات الإستنساخ……