في أول موقف سياسي يطوي صفحة التمديد للمجلس النيابي وتداعياته على المشهد الداخلي، أطلق رئيس المجلس نبيه بري أمس إشارة الانطلاق لملف رئاسة الجمهورية عندما كشف امام زواره في “لقاء الاربعاء” أمس عن وجود إشارات إيجابية حيال الاستحقاق الرئاسي رافضاً الغوص في تفاصيلها.
إستوقف كلام بري المراقبين لما يحمله من دلالات تطرح أسئلة عن المعطيات التي يملكها الرجل ويمتنع عن كشفها، وتدفعه إلى إرساء مناخ متفائل حول إنطلاق حركة مشاورات تسرع إنجاز الاستحقاق، وخصوصا أن هذا الكلام يأتي غداة تصعيد عالي اللهجة من جانب رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون يؤكد مضيه في ترشحه، ليس من الموقع التوافقي الذي سعى اليه في المرحلة الماضية، وإنما من موقعه مرشحاً لتحالف قوى 8 آذار بعدما سماه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله علناً. وهو كان ترجم رفضه للتمديد بتقديم تكتله طعنا لدى مجلس شورى الدولة.
لم يتضح بعد ما إذا كان رئيس المجلس يستند إلى تقاطع معطيات محلية إقليمية يملكها تشجعه على هذا التفاؤل الذي يتشاركه أساسا مع قوى سياسية أخرى حرصت في الايام القليلة الماضية التي تلت قرار التمديد على إشاعته، لكن الاكيد أن بري يحرص على توجيه رسالة مفادها أن اولوية المجلس هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما يخفف وطأة التمديد ولا سيما في الشارع المسيحي. ويمكن عندها المجلس ان ينطلق في عمله التشريعي الذي يريد رئيسه تفعيله، وهو أشار إلى ذلك عندما أعطى الاولوية لملفين: قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب.
ولكن لا بد من السؤال في المقابل: هل تفاؤل بري في محله؟ وبناء على أي معطيات وسط تقلب المؤشرات الخارجية وتباينها؟ وهل سيكون التشريع مجازا أمام المجلس بعد التمديد في ظل الطعن المقدم في دستوريته من قبل تكتل التغيير والاصلاح؟
في قراءة مصادر سياسية مواكبة، ان الموقف الذي أطلقه رئيس المجلس أمس يأتي ترجمة لحركة سياسية مسبقة كان عمادها الى جانب بري، الرئيس سعد الحريري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط. وقد أفضت بعد مسار طويل من المشاورات بدأت منذ أعلن الحريري بعد لقائه بري سيره في التمديد ورفضه إجراء الانتخابات، إلى تفاهم ثلاثي على المسار السياسي الذي سيحكم البلاد في المرحلة المقبلة. وقد بدأ هذا المسار بالتمديد ويستكمل بانجاز الانتخابات الرئاسية وصولا إلى تأليف حكومة جديدة وإنجاز قانون الانتخاب الذي على أساسه ستجري الانتخابات النيابية المقبلة.
قد تبدو خريطة الامور طبيعية في مسارها، لكن ما يفوتها هو المهلة التي سيستغرقها إنجاز محطاتها بدءاً من الاستحقاق الرئاسي الذي سيحدد وجهة الحكومة المقبلة وقانون الانتخاب.
وفي رأي المصادر عينها أن إنطلاق قطار الانتخابات الرئاسية لا بد أن يتوقف في محطة أولى عند الحوار المرتقب بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، والذي على أساسه تتبلور ملامح الرئيس المقبل للبلاد.
صحيح أن الاستحقاق الرئاسي ليس قرارا محليا، ولكن الامر كذلك ينسحب على الحوار بين الحزب والتيار الذي سيترجم مستوى التقدم على المحور السعودي – الايراني.
وإذا كانت ملامح هذه الحوار قد أرسيت من خلال الدعوة التي وجهها الرئيس سعد الحريري وتلقفها اخيرا نصر الله في خطاب عاشوراء، فإن الترجمة العملية تتطلب آليات التواصل التي تضع قطار الحوار بين الجانبين على السكة.
ولا تستبعد المصادر أن يكون مصدر التفاؤل لدى بري هو التزام القوى السياسية التي نسجت التمديد، انجاز إستحقاق الرئاسة متى نضجت ظروفه الخارجية، مشيرة إلى ان العمل الداخلي يتزامن مع ترقب للعوامل الخارجية المستندة الى المرونة في العلاقات السعودية الايرانية.
وفي حين برز كلام رئيس الحكومة تمام سلام لوكالة “رويترز” وربطه الاستحقاق الرئاسي بالملف النووي الايراني، فإن للمصادر السياسية مقاربتها التي تفصل بين المسارين الاميركي – الايراني والسعودي – الايراني في ما يتعلق بتأثيرهما على لبنان، مشيرة الى ان اي تقارب سعودي – ايراني لن يتم بعيدا من المباركة الاميركية في مطلق الاحوال.