كيف سيسلك لبنان على مستوى السياسة الخارجية في العهد الجديد؟ وكيف سيعمل على تخطي المطبات في العلاقات بين الدول، لا سيما تلك التي تتمتع بتأثير مباشر عليه؟ وكيف سيتعامل مع أية طلبات تصل إليه من الخارج خصوصاً إذا كانت متناقضة؟
تكشف مصادر ديبلوماسية في عاصمة كبرى أن المجتمع الدولي ينتظر تشكيل الحكومة ووضع بيانها الوزاري لمعرفة التوجه الذي ستتخذه في التعامل مع سياسة لبنان الخارجية، وأزمات المنطقة والملفات الخارجية، على أن هذه المصادر تعوّل على حكمة الرؤساء الثلاثة في التعامل مع القضايا ذات البعد الخارجي والدولي. وتؤكد أن كل الأفرقاء، بمن فيهم تيار «المستقبل» و«حزب الله»، لا يريدون أي مشكلات. وهناك تفاهم بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري حول عدم المساس باتفاق الطائف وعدم التدخل في الشأن السوري، وعلى الاستقرار الداخلي. أما على مستوى التدخلات الخارجية بلبنان فإن بصورة عامة لا يظهر أن أي جهة تريد مشكلة في لبنان وهي مسألة جيدة. وهناك توافق خارجي على استقرار لبنان، وعلى توازن القوى داخله، الأمر الذي ينعكس توازناً في السياسة الخارجية. لهذا لا ينتظر حصول مشكلات أساسها من الخارج، أو من «الحركشة» الخارجية، لا سيما وأن اللعبة الدولية – الاقليمية تدور في محيط لبنان وليس في لبنان، أي في المنطقة حيث الملفات الملتهبة.
في لبنان يبقى الاستقرار أيضاً هدفاً أميركياً، والنأي بالنفس والاستقرار أيضاً تحدث عنهما وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف لدى زيارته لبيروت، حيث أشار الى أنهما مثل يمكن لدول المنطقة اعتماده. والمجتمع الدولي يعمل لإبقاء الوضع اللبناني مستقراً حتى قبل اندلاع الحرب السورية، وليس فقط من أجل أن يستقر اللاجئون السوريون، إلا أن الاستقرار موجود لأن الأفرقاء في الداخل لا يريدون الحرب، ولأن إعمار سوريا والعراق سيتم عبر لبنان أي تحديداً عبر نظامه المصرفي، ولأن الجميع يدرك أن لا حلّ سحرياً للبنان، والجميع ليس له مصلحة بانعدام الاستقرار وتراجع عمل المؤسسات وصولاً الى الانهيار.
وتفيد مصادر ديبلوماسية، أن المطلوب إبعاد لبنان عن أزمات المنطقة، والسؤال كيف يمكن ترجمة ذلك في البيان الوزاري. وهل يندرج مبدأ النأي بالنفس تحت سياسة لبنان الخارجية، وهل دور «حزب الله» في سوريا يأتي ضمن هذا الاطار، وإذا تم طرحه، هل سيكون موضوعاً خلافياً؟ هناك مسائل تحققت خلال السنوات السابقة يفترض الحفاظ عليها، وهي النأي بالنفس، و«إعلان بعبدا» وفقاً لما تم التفاهم عليه في البيان الوزاري للحكومة السابقة. ويفترض أن يُدرج في البيان الوزاري المرتقب للحكومة العتيدة، وإذا لم يتم إيجاد صيغة لذلك، سيكون مشروع مشكلة. الأطراف اللبنانية كافة توافقت أخيراً على إخراج البلد من الفراغ الرئاسي، والشلل، وخطر توقف عمل المؤسسات، لكن كل فريق لا يزال عند رأيه ونظرته، إلا أن العمل لإيجاد صيغة للتعامل مع إعلان بعبدا مسألة أساسية.
وإذا كانت هناك نية تعطيلية فإن العهد «لا يقلِّع». إن الأفرقاء قرروا أن يجتمعوا وينتخبوا الرئيس، فلا مبرر لأن يتعرقل العهد، وكل المؤشرات تقول بوجود نية تسهيلية.
وبالتالي، ان اعتماد سياسة النأي بالنفس تؤدي الى أن يحمي البلد نفسه من كل المخاطر، وهي أسلوب مناسب للتعامل مع الطلبات المتناقضة الخارجية من لبنان في حال حصل ذلك.
عندما يكتب البيان الوزاري وتنال الحكومة الثقة على أساسه، عندها ربّما تكون، هناك مساءلة حول قرارات الحكومة، فضلاً عن ذلك فإن الحكومة ورئيس الجمهورية مجتمعين يتخذان القرارات وليس رئيس الجمهورية منفرداً. ورئيس الجمهورية هو رئيس كل البلد، وفي البلد توجد آراء ومساحات أيضاً يلتقي حولها معظم الأفرقاء. فلا شيء في المطلق سيسير به لبنان وينفذ به رغبات دول معينة، ولا شيء يتعطل في المطلق.
ولمجرد حصول حوار وطني، فإنه أمر ايجابي، ولمجرد أن يتفق الأضداد يشكل الأمر مسألة ايجابية. إنما المهم كيفية ترجمتها واستثمارها، ولا بد أن صيغاً ما ستوضع في هذا الإطار، فالتعايش حتمي، والشلل لا مصلحة لأحد به، ولا يفيد أحداً. وإذا اتفق الجميع حول هذه المبادئ، يفترض أن ينقلوا لبنان الى حالة أخرى توصل البلد الى مكان إيجابي وإلى حماية لقراراته ولوضعه. إنه قرار يعود الى المسؤولين لناحية المدى الذي يحافظون فيه على الاستقرار.
وتفيد مصادر ديبلوماسية أخرى، أن التفاهمات التي حصلت بين رئيس الجمهورية وبين كلّ من تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية»، فضلاً عن الثوابت التي تحدث عنها الرئيس عون حول السياسة الخارجية «المستقلة» والسياسة الخارجية «الموحدة»، كلها عوامل من شأنها أن تتضافر لاتخاذ لبنان أفضل موقف تجاه القضايا المطروحة، والأخرى التي تعرض عليه.
وتؤكد المصادر، أن النأي بالنفس وتحييد لبنان، يبقيان من أفضل المواقف، والخارج يبدو أنه «مطنّش» عن دخول «حزب الله» الى سوريا ومشاركته في الحرب هناك. المواقف والتفاهمات الداخلية، واهتمامات الخارج باستقرار لبنان بشكل أساسي وبعمل المؤسسات الذي يؤمّن الاستقرار، ستوفر لعبة توازن سياسي من شأنها أن تنعكس استقراراً. فتبقى مصالح الحزب «محفوظة» وفي الوقت نفسه الخطاب ليس عالي النبرة أو متطرفاً.