بوضوح تام، ما زال الحفاظ على الاستقرار الامني، وسط لهيب المنطقة، موضع توافق اقليمي ودولي سمح باستمراره رغم التدهور السياسي الذي يكاد يحيل لبنان الى دولة فاشلة. لكن تسارع انهيارات النظام السوري وانعكاساتها السلبية الحتمية تدفع بقضية حماية الحدود، الى مصاف اولوية الاولويات، بحيث يكون الجيش حاميها الوحيد في مواجهة «الارهاب» ايا كان مصدره.
ومن اول اسباب التمسك الخارجي بالاستقرار، وفق مصادر متطابقة، هذا الكمّ من النازحين السوريين، والذي اذا تزعزع الاستقرار سيسعى للانتقال الى دول اوروبية. فمقارنة الاحوال عام 1975 بالحاضر تظهر ان العالم سعى حينها لحصر التدهور الامني في لبنان حماية لأمن العواصم العربية، اما حاليا فيشكل الحفاظ على استقراره خطوة اساسية لحفظ استقرار العواصم الغربية.
ويلفت سياسي لبناني سيادي مخضرم الى ان من اهم شروط الحفاظ على الاستقرار «بقاء الدولة« وان اول شروط بقائها هو «انتخاب رئيس للجمهورية» دخل شغور كرسيه عامه الثاني من دون ان تظهر في الافق اي مؤشرات لانجاز قريب اذ باتت مقاليده في يد الخارج الاقليمي والدولي وحدهما.
فقد اعلن الرجل الثاني في «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بفجاجة ان النائب ميشال عون يكون الرئيس او يدوم الفراغ الى «اجل غير مسمى»، بما يعني احتجاز ايران ورقة الرئاسة التي لن تفرج عنها الا، وفق الاكثر تفاؤلا، بعد مقايضتها على طاولة المقاصّة مع الولايات المتحدة. فعون اصبح واجهة للتعطيل، خصوصا مع تاكيد قاسم عنه جهوزيته لعقد «اتفاقات والتزامات وان يحرص على تطبيق الطائف»، اضافة الى تأكيد احد اركان تياره الوزير السابق سليم جريصاتي، غداة «اعلان النوايا» مع القوات اللبنانية، ان ذلك «لن يمس» ورقة التفاهم التي تربطه منذ سنوات بـ«حزب لله».
ويتساءل المصدر عما اذا كان الخياران اللذان لا ثالث لهما ، وهما فعليا من الإملاءات، سيبقيان قائمين بعد التوقيع على الاتفاق النووي بين ايران والغرب او بعد الانهيار التام للنظام الاسدي.
فإلى جانب الانهيارات العسكرية التي يتنكبها جيش النظام جنوبا وشمالا تتكاثر مؤخرا التسريبات عن ان مصير بشار الاسد بات يطرح على طاولة البحث، وآخرها خلال قمة الدول السبع وفق ما نقلته صحيفة «الاندبندنت» البريطانية عن مصادر ديبلوماسية مشاركة رجحت «وجود ارضية جديدة بين الغرب وموسكو تعتمد على ضرورة التوصل الى حل ديبلوماسي في سوريا»، لافتة الى ان هذا الحل اليوم اصبح «ممكنا اكثر مما كان عليه قبل اشهر».
كما ينقل موقع «الشفاف» عن مدير «مركز تحليل نزاعات الشرق الاوسط» في روسيا الكسندر شوميلين قوله «نعم هنالك تطور في روسيا باتجاه مزيد من التشاور مع الشركاء الغربيين ومع دول المنطقة»، وتوقعه ان لا تحرك روسيا اصبعا صغيرا لمساعدة بشار.
وقبل اسبوع اعد مراسل صحيفة «لوموند« الفرنسية في موسكو تقريرا بعنوان «روسيا تبتعد عن دمشق» استنادا الى ترحيل عائلات العسكريين والمستشارين بعد ايام قليلة على سقوط تدمر. سبق ذلك ما تسرب من معلومات عن ان البحث خلال لقاء فلاديمير بوتين مع جون كيري في سوتشي تطرق الى «ما بعد بشار».
ويبقى السؤال عن كيفية الاستفادة من قرار الخارج المحافظة على الاستقرار، خصوصا ان الاطراف الداخلية وفي مقدمها «حزب الله»، باستثناء عون، يناسبها الاستقرار لاسباب مختلفة. من هنا ضرورة مواجهة الحملة التحريضية التي تتعرض لها عرسال خصوصا انها تخفي وراءها تشكيكاً عملياً بقيادة الجيش، ربما بهدف التخلص من احتمال كون قائده مرشحا للرئاسة، فيما تخوض عناصره معارك حقيقية لحماية البلدة والحدود وفق الامكانات المتوافرة. وإلا فطلب المساعدة ممكن من التحالف الدولي لمواجهة «داعش«، الذي سبق للبنان ان انضوى تحت لوائه. او يكون ذلك عبر طلب الحكومة من الامم المتحدة توسيع صلاحية القرار 1701 ليشمل الحدود الشمالية والشرقية، خصوصا ان فعاليته حمت جنوب لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية. كما انه حاز منذ العام 2006 على موافقة كل الاطراف بمن فيهم «حزب الله».