Site icon IMLebanon

غرف عاملات المنازل: الهندسة المعمارية العنصرية

تقوم الممارسات المعمارية المعتمدة في لبنان على أساس عنصري، يتجلى ذلك بوضوح في تصميم غرف عاملات المنازل بشكل لا يؤثر على المساحة المستغلة للشقة، إذ إن متوسط مساحة الغرفة لا يتجاوز 5 أمتار مربعة، وغالباً لا تكون هذه الغرفة صالحة للسكن ولا تتوافر فيها المرافق اللازمة أو النوافذ! هكذا يتم تجسيد الميول العنصرية والتمييزية بشكل حرفي عبر البناء فتوضع العاملات في «كهوف» معزولة داخل المنازل

5 أمتار مربعة هي متوسط المساحة التي يظن المهندسون المعماريون والعائلات اللبنانية أنها تكفي لتقطن فيها عاملة في الخدمة المنزلية. هكذا، يترجم هؤلاء عنصريتهم الهندسية تجاه العمال الأجانب، وتحديداً العاملات في الخدمة المنزلية، بحيث يتم “رميهنّ” في غرف منعزلة، ضيقة وخالية من النوافذ كانت بالأساس مخصصة لأن تكون غرف تخزين أو غرف غسيل، وبالتالي غير مؤهلة للسكن.

التصميم الهندسي لغرف العاملات في المشاريع التي تُبنى حالياً، ينطوي على عنصرية مخيفة تعكس معاني جدية في تعزيز نبذ هذه الفئة، وهذه الهندسة العنصرية ترتكز على قانون البناء اللبناني الذي يجسّد، عبر ممارسات معينة في مجال العمارة اللبنانية المعاصرة، مظاهر ملموسة من العنصرية المؤسساتية ضد عاملات المنازل الأجنبيات.

التصميم الهندسي لغرف العاملات ينطوي على عنصرية مخيفة

فإقصاء عاملات المنازل من قانون العمل ينعكس بإقصائهنّ أيضاً من الحصول على مساحات سكنية لائقة ضمن فئة واسعة من المباني المخصصة للسكن، وفق ما ينطلق منه المهندس المعماري باسم سعد في دراسة له بعنوان “5 أمتار مربعة لغرفة عاملة المنزل: العنصرية اللبنانية والنوع الاجتماعي في العمارة ــ فشل الهندسة المعمارية”. تتعمق دراسة سعد بالحالة اللبنانية لسببين أساسيين هما: أولاً أن حصة الفرد من المساحة تعتبر من أدنى المعدلات في العالم، وثانياً قانون البناء النيوليبرالي الذي يتعمد تغليب المصلحة المادية للمطور العقاري على حساب نوعية بيئة البناء. فالمباني السكنية الخاصة و”الفيلات” البورجوازية هي “مواقع أساسية لمزيج واقعي من الذوق المحلي والحد الأقصى من استغلال مساحة الأرض، مع خلفية من قانون عنصري، ينتج منها مساحات سكن للعمال والعاملات تكون في أحسن الأحوال دون المستوى المطلوب، وغالباً ما تكون ظالمة”.

تظهر الخرائط التي أخذها سعد من مشروعين سكنيين لا يزالان قيد البناء، نموذجين متباعدين من الممارسات. الأول يمثل النموذج “السخي” الذي يعدّ، للأسف، أفضل سيناريو حالي يمكن للعاملة أن تتطلع إليه في المشاريع المشيدة حديثاً، حيث قام المهندس بتوفير غرفة بمساحة 5.2 أمتار مربعة مع نافذة لائقة، من أصل 187 متراً مربعاً أي ما يقارب 2.87% فقط من مساحة الشقة.

إقصاء عاملات المنازل من قانون العمل ينعكس بإقصائهنّ أيضاً من الحصول على مساحات سكنية لائقة (من الدراسة)

أمّا الحالة الثانية فتشكل أفضل مثال توضيحي للتصميم غير الإنساني الذي “يتفنن” بإخفاء غرف العمال عن الأنظار قدر الإمكان. نتحدث هنا عن ممر مؤدّ إلى غرفة العاملة، مغلق بأبواب عند طرفيه، يصل إلى غرفة الغسيل ويليها غرفة العاملة، أي ليس إلى غرفة العاملة مباشرة. جدار غرفة الغسيل ينحرف الى الداخل من أجل إفساح المجال لنافذة غير مباشرة لغرفة العاملة بمساحة تقل عن 50 سنتمتراً. تبلغ مساحة الغرفة 5.2 أمتار مربعة من أصل 531 متراً مربعاً أي أقل من 1% من مساحة البناء! هذه الحالة بالذات هي، بأي شكل من الأشكال، وضع شاذ، لكنها تلتزم بالاتفاقيات اللبنانية الرسمية الحالية، وفق الدراسة.

فالمعماريون والمطورون والعملاء يرون أن المساحات السكنية المخصصة لعاملات المنازل تنتمي الى “فئة العناصر ذات صلة الخدمة غير الجمالية في التصميم التي يجب أن تكون مخبأة بذكاء وراء عدة طبقات من الهندسة المعمارية لضمان أن يتم تقديمها على أنها غير واضحة ومعزولة قدر الإمكان”.

وعليه، انطلاقاً من مفهوم فوكو لـ”الهيتيروتوبيا” أو النبذ، تثبت هذه الدراسة أن غرف عاملات المنازل تعتبر مجموعة فرعية من “النبذ المنحرف”، أو بمعنى أكثر تبسيطاً، تعتبر المساحات السكنية المخصصة لعمال المنازل مساحات منبوذة للأفراد الذين ينحرف سلوكهم عن السلوك المتعارف عليه في الوحدة التي يوجدون فيها، وفي هذه الحالة نتحدث عن الأسر اللبنانية التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة.

يصف سعد في دراسته كيف أن العاملة “توضع في هذا الموقع الهش، ما يعطيها بشكل تلقائي وضعية منحرفة بمجرد تحديد معايير ثقافية مختلفة. ثم يوضع هذا “الجسم الغريب” في غرف مخصصة له، صُمّمت بعد الأخذ بالاعتبار هوية وطبقة الشخص الذي سيعيش فيها. المسار المعقد الذي يقود الى غرف العاملات عبر المطبخ وغرف الغسيل، والممرات الضيقة، يفصلهنّ بشكل لا لبس فيه عن الحالة العامة للسكان وعن كونهنّ أشخاصاً كاملين، ويرفقهنّ كملاحق لمناطق الخدمة”.

قانون بناء عنصري

الإطار القانوني للعنصرية الهندسية يتجسّد وفق سعد في قانون البناء الذي يحتوي على عدة بنود تتعلق بسكن عاملات المنازل، أولها أن القانون “يشير إلى مساكن عاملات المنازل بتسمية “غرف للخدم” ويذهب أبعد من ذلك عبر التحدث عن “الخدم” بصفة المؤنث”.

كذلك تندرج غرف عاملات المنازل في القانون مع مجموعة من النصوص التي تتحدث عن غرف التخزين وغرف الغسيل التي هي في المقام الأول غير مصممة لاحتواء الناس لفترات طويلة من الزمن. الغرض الأساسي من هذا الجمع، كما تشرح الدراسة، هو ترسيم الخطوط الدقيقة لأنواع الغرف التي لا تؤثر في النسبة العامة للاستثمار وذلك للسماح للمطورين بزيادة مساحات الغرف التي تضيف القيمة السوقية. ونتيجة لذلك، يوجد بند في القانون يحدد المساحة القصوى لغرف العمال ولكل هذه الأنواع من الغرف (التخزين، الغسيل..) بـ 8 أمتار مربعة.

تحدد الدراسة هدفاً آخر لهذا الجمع، وهو إعفاء هذه الغرف من موجب وجود نوافذ مفتوحة أي لا عوائق أمامها، وهنا يصبح القانون مشكلة فاقعة عندما ينص صراحة على أن الغرف المصممة للسكن البشري يجب أن يكون فيها نوافذ من دون عوائق، بعدما كان قد استثنى في الفقرة السابقة غرف عمال وعاملات المنازل من هذه الفئة!

هذه الاتجاهات المعمارية يصعب مواجهتها بسبب الممارسات الراسخة، والطبيعة المحددة من الفعل المعماري، والعمر الطبيعي للمباني. وعليه، يجب الاعتراف بآليات القهر التي يخلقها المطورون والعملاء والمهندسون المعماريون وإدراجها ضمن الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية وإصلاح القوانين. التوصيف الدقيق لغرف العاملات يستنتجه سعد في ختام دراسته: كهوف داخل المنازل!