في كلّ مرّة يلتقيان، يُشددّ الطرفان على التخفيف من الاحتقان المذهبي. ليس بوسع تيار «المستقبل»، ولا «حزب الله» إنجاز هذا الصعب – المستحيل. إنّه أكبر من إمكاناتهما، ويفيض عن ساحة لبنان، ليملأ الساحات العربيّة والإسلامية على وساعتها. لكن بعد جولتين من الحوار، لا بدّ من الإقرار بوجود إرادة سعوديّة – إيرانيّة على السير به، ولا بدّ من أن يصل إلى مكان يصبح فيه من الممكن ضمّ سائر الفاعليات الرئيسيّة لمعالجة ملفّات ملِحّة.
ينسجم الحوار مع المناخ السعودي التوفيقي. لقد انطلق من القمّة الطارئة التي دعا إليها الملك عبدالله بن عبد العزيز، وجمَع من حوله قادة دوَل مجلس التعاون حيث تقرّر مصالحة قطر وعودة العلاقات ما بينها وكلّ من السعوديّة والإمارات والبحرين إلى سابق عهدها.
ثمّ كانت مبادرته باتّجاه قطر ومصر، للمباشرة بمعالجة الملفّات الخلافيّة بروح عالية من المسؤولية. وكانت مبادرته باتّجاه العراق والسعي إلى إعادة فتح السفارة السعوديّة في بغداد بعد مرور ربع قرن على إقفالها.
إلّا أنّ حوار عين التينة الذي يستمدّ زخمَه من هذا المناخ، يبقى بحاجة إلى نقطة انطلاق. فالكلام عن الحدّ من التشنّج السُنّي – الشيعي جميلٌ جدّاً، لكن كيف؟ هل قرَّرت كلّ من الرياض وطهران تحييدَ ملف لبنان عن سائر الملفات الخلافيّة والتي تباعد بينهما؟
أو هل مِن سقف دولي أميركي – روسي، يَحمي هذا السقف الإقليمي السعودي – الإيراني، لفصلِ أزمة لبنان عن الأزمات الضاغطة والمؤثّرة؟ يمكن القول إنّ الحوار قد اجتازَ محاولته الثانية، وصدرَ بيان ختامي توَخّى الإيجابيّة. لقد اجتهَد واضعوه لاختيار العبارات التفاؤليّة الواعدة، وكأنّ المطلوب تأكيد استمرار الحوار بالتزامن مع تبدّل الأحوال في كلّ من العراق وسوريا.
في العراق تفاهُم سعودي – إيراني على مواجهة «داعش». محاولة تسلّل 4 إرهابيين من الأراضي العراقيّة إلى داخل الأراضي السعوديّة، عبر مركز سويف الحدودي، ليس بالأمر العادي. الإرهاب يدقّ الأبواب والبدائل المتوافرة على الأرض، متنافرة، فلا العشائر في موقع القوّة والاتّكال، ولا الجيش قادر على النزال، ويبقى نشاط الجنرال الإيراني سليماني، و»ملائكته»، أكثر صدقيّة من أيّ نشاط آخر لمكافحة الإرهاب.
يلتقي الإيراني والسعودي أيضاً في دائرة الحَذر من الدور الملتبس الذي يلعبه التحالف الدولي في كلّ من العراق وسوريا. مئات الطلعات الجوّية (المدفوعة سَلفاً عدّاً ونقداً) ولم يتغيّر شيء على أرض الواقع. أطنان من البيانات والتوضيحات حول المناطق المستهدَفة، ولا تزال الأرجَحيّة على الأرض لقوات «داعش»، و»جبهة النصرة». تكرار محاولات إلقاء مساعدات للتنظيمات الإرهابيّة من الجوّ، تثير الريبة، وكأنّ في الأمر تخطيطاً متعمَّداً، على رغم بيانات النفي والاعتذار.
هذه الأساليب في التعاطي تثير الارتياب. إيران لم تشارك على رغم مناشدة واشنطن لها، وبقيَت في منأى عن قوات التحالف. السعوديّة شاركَت لتحقيق أفضل النتائج في أقلّ وقت ممكن، وإذ بها تكتشف بعد مرور شهور طويلة على انطلاق الطلعات الجوّية، بأنّها في موقع الابتزاز، عليها أن تُسدّد ما يُفترَض تسديده لتغطية النفقات، فيما المردودات كارثيّة ، فلا «داعش» تراجَع، ولا دولة الخلافة أزِيلت من الوجود في كلّ من العراق والشام، وما هو ظاهر من الأكمة مختلف تماماً عن الرواسي المحجوبة.
وليس الوضع في سوريا أفضلَ حالاً. كان على الولايات المتحدة أن توافق على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن، والذي يُحدّد مهَلاً زمنية لانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، وذلك للتعويض معنويّاً على السياسة الملتبسة التي تمارسها في كلّ من سوريا والعراق، لكنّ انحيازَها الأعمى لمصلحة إسرائيل، أوقعَ المملكة في ورطة، ووضعَها أمام حرَج كبير، وربّما هذا ما شجَّعَ على فتح صفحة من الحوار مع إيران، بهدف تنسيق الخبرات والجهود المشتركة حيال ما تعدّ له موسكو.
تستضيف العاصمة الروسيّة في 26 و27 الجاري مؤتمراً للحوار ما بين ممثلين عن المعارضة والنظام. وجّهت الدعوات، وتعدّدت وتنوّعت الاجتماعات التمهيديّة، وانتخَب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية خالد خوجة رئيساً، لكنّ جدلاً أثير بُعَيدَ انتخابِه داخل الائتلاف جرّاء إقامته في تركيا، وصِلته بحزب «العدالة والتنمية» الحاكم بزعامة الرئيس رجب الطيّب أردوغان.
كانت السعودية تصنع رؤساء الائتلاف، فأصبحَت تركيا، وهذا ما يحفّز السعودييّن والإيرانييّن على القراءة بكتاب واحد حيال المستقبل، والتسوية، والحلّ. ويبقى حوار عين التينة مجرّد امتداد، وعندما يصل الحوار الإقليمي إلى مكان، يصل هو بدوره إلى تفاهمات… يمكن البناء عليها.