من يتابع الحراك الدائر في لبنان يقفز الى ذهنه، بداهة، أنّ هذا البلد في أحلى حالاته: فمجلس النواب ضرب رقماً قياسياً في الإجتماعات لانتخاب رئيس للجمهورية… ولا رئيس. ولعلّ هذا الرقم يجب أن يُسجل لنا في كتاب غينيس للأرقام القياسية. ولقد بتنا على أبواب الجلسة الرقم 40، وما زلنا أمام أفق مسدود كلياً. وليس ثمة مؤشرات الى أننا وجدنا المفتاح الذي يحلّ قفل قصر بعبدا حتى إشعار آخر، علماً أن غياب المرشحين الأساسيين للرئاسة، بات حالاً قائمة بذاتها، بل إنه يحظى أقلّه بتفهم من زعامة فريق 14 آذار. فعندما سئل الرئيس سعد الحريري، أمس، عن مدى تحمله إستمرار عدم حضور مرشحه، سليمان فرنجية، الى جلسات الإنتخاب أجاب: أنا صبري طويل. وفي المقابل فإنّ حزب اللّه صبره هو الآخر طويل، فهو من «الناصحين» بعدم حضور الجلسة ريثما يتم توافر أكثرية لأي من مرشحي 8 آذار (وبالذات الجنرال عون) اللذين ينعمان حتى الآن بلقب المرشح، وإن كان غير ثابت أو محدّد متى سيحمل أحدهما لقب صاحب الفخامة هذا إذا حمله!..
وهكذا فهذا الحراك لم يؤدّ، بعد، الى إنتخاب رئيس، وقد لا يؤدي الى نتيجة في هذا السياق في المستقبل المنظور، مع تقديرنا لمن راهن على آذار أو نيسان موعداً لفتح أبواب قصر بعبدا أمام الآتي ليحتل الكرسي الفارغ.
وعلى صعيد مجلس النواب ليس الوضع بأفضل. بل إنه أسوأ بكثير أقله لسببين إثنين. الأول إن هذا المجلس الذي مدّد لنفسه مرّتين ليس ما يبرّر أن يكون نشاطه الوحيد هذين التمديدين! فلا يجتمع ليقر القوانين، ولا يجتمع ليفرض دوره رقيباً على أعمال الحكومة، خصوصاً وأن الرئيس نبيه بري تحدّث بوضوح وفصاحة وبلاغة، في جلسة التمديد الثانية عن النشاط الذي سيشهده المجلس والنسغ الذي سيدّب في يباسه. ولكن شيئاً من هذا لم يحصل. وليس ما ينبىء بأنه حاصل (عملياً) في القريب، خصوصاً واننا دخلنا في دورة آذار العادية، وهناك مئات القضايا والمشاريع والهموم والهواجس والإقتراحات التي تفترض بداهة السعي، بل الهرولة الى إجتماع المجلس الذي لا ندري ما اذا كان السادة نوابه قد نسوا آلية العمل… أليس ان «البعد جفا»؟
وأما عن الحكومة فحدّث ولا حرج. ولو شئنا أن نحصي عديد التصريحات والبيانات والخناقات من الوزراء وبينهم (…) لوجدناها تفوق بأشواط ما كان يصدر عن الحكومات ووزراتها أيام كانت الحكومات تعمل وتنتج… ولن نزيد في هذا المجال… فالقاصي والداني يقشع ويسمع ويعرف وأصلاً ليس من أسرار آلهة ولا أسرار شياطين، بل كله علني وعلى المكشوف.
وأما الزوّار الأجانب الذين يشرّفوننا بحضورهم حاملين عواطفهم النبيلة، من دون أدنى شك، ووعودهم السخيّة (مع كبير شك) فهم من كبار قادة الدول في هذا العالم الذي لم يتوقف عن إسداء النصائح الينا: اعملوا ولا تعملو… اقدموا واحجموا… إنتخبوا ولا تتمنعوا… استقبلوا النازحين فأنتم عاجزون وقادرون، فلا تبخلوا عليهم ونحن سنقوم بواجبنا… ولكنهم لا يقومون بالحد الأدنى منه.
حراك… حراك… حراك والنتيجة صفر!
فكل شيء مجمّد إلا التدهور. وتكفي نظرة واحدة الى المحال التجارية والبوتيكات في العاصمة لمعرفة مقدار إرتفاع اعداد تلك التي أقفلت والتي ستقفل أيضاً. وفي المقابل هناك صحف نشف حبرها لشدة ما كتبت ونشرت و… لدرجة جاء دورها الى… الإحتجاب!
ونحن من جيل يقول: ضيعانك يا لبنان!
نقصد لبنان الذي عرفنا وأحببنا وبه فاخرنا العالم!