وصف الوزير جبران باسيل مؤتمر بروكسل«لدعم مستقبل سوريا والمنطقة» الذي عقد الاسبوع الماضي بأنّه إضاعة للوقت متّهماً بالعلن المؤتمرين الدوليين بتمويل بقاء النازحين بدل العمل على إعادتهم إلى سوريا، وغامزأً من قناة رئيس الحكومة بما يوحي باتّهامه بالرضوخ للمشيئة الدولية أو باتّخاذ قرارات لا يمتلك وحده حرية اتخاذها.غضب الوزير باسيل عبّر عنه بإعلان لاءاتٍ ثلاثٍ، لا حكومة دون عودة النازحين ، لا جكومة دون محاربة الفساد مذكّراً بالإبراء المستحيل الذي تزداد استحالة السير به، ولا حكومة دون كهرباء بشروط التيار الوطني الحر، بما يعني بشكل واضح أنّ إسقاط الحكومة هو من بين الخيارات المتاحة لدى الحزب الحاكم في حال عدم وقوف رئيس الحكومة على تطلعاته.
هذه اللاءات الإفتراضية أُطلقت في الرابع عشر من آذار لإحياء مناسبة افتراضية هي دخول العماد عون قصر بعبدا، كما أعلن الوزير باسيل. لا ندري كيف حاكت مخيلة الوزير باسيل هذه المناسبة وما عناه بذلك، الكل يعلم أن الرئيس الأسبق أمين الجميل وخلافاً للمادة 62 من الدستور السابق « في حال خلو سدّة الرئاسة لأيّة علة كانت تناط السلطة الإجرائية وكالةً بمجلس الوزراء»، قد أصدر بتاريخ 22 أيلول 1988 مرسوماً بتعيين حكومة عسكرية إنتقالية برئاسة العماد عون، وأن العماد عون لم يدخل قصر بعبدا عنوةً ولم يستعد القصر من مغتصب أو حرّره من قوات أجنبية سبق واحتلته!!!!فالعماد عون دخل قصر بعبدا قبل ذلك التاريخ بكثير.
أما لجهة ما جرى في قصر بعبدا في 14 آذار فهو إعلان العماد عون رئيس الحكومة العسكرية آنذاك « حرب التحرير» ضد القوات السورية العاملة في لبنان بعد إتهام سوريا بممارسة حرب إبادة على لبنان، وإعلان الحرب جاء بالتحالف مع القوات اللبنانية. 14 آذار في هذا السياق وبما أدت اليه هي نموذج لقرار عبثي لم يفض ِ سوى إلى المزيد من الدمار، وتكرّر مرة اخرى في رفض إتفاق الطائف وأدى في 13 تشرين الأول 1990 إلى دخول الجيش السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع الوطني.
تكررت المواقف الدونكيشوتية في المؤتمر العام السنوي الذي نظّمه التيار أول من أمس، عندما أعلن رئيسه انه لم يكن يريد ان يشغل موقع الوزارة، وإنما أُجبر على ذلك من أجل التيار والرئيس والبلد، وأنّه يتحين الفرصة السانحة للخروج من الحكومة.
لا يأخذ رئيس الحزب الحاكم بعين الإعتبار لدى ممارسته الضغط على رئيس الحكومة لدفعه نحو مزيد من التنازلات، القيود التي لا يملك رئيس الحكومة جرأة المغامرة بتجاوزها. تلك القيود التي تحقق التوازن الحقيقي لوجوده على رأس الحكومة برغم افتقاده للأكثرية النيابية والتي تؤدي المغامرة بها إلى إسقاطه داخلياً وعربياً .
من المفيد أن يدرك الوزير باسيل حدود التنازل القصوى التي يستطيع الرئيس الحريري بلوغها والمتّصلة بجمهوره الذي بات مقتنعاً بانعدام المكتسبات السياسية التي يمكن أن تتحقق بعد الخسارات الجسام التي تعرض لها في الإنتخابات النيابية والتعثّر الذي واكب عملية تأليف الحكومة ، هذا عدا محاصرته والإعتداء المتمادي على صلاحياته. وما هي قدرة الرئيس الحريري علىالتنكر للمجتمع الدولي الذي شكّل الضمانة لمؤتمرات سيدر وبروكسيل وروما التي تقوم عليها فذلكة وجوده في رئاسة الحكومة والتي تشكّل البعد الدولي لحكومته بالرغم من خسارته الأكثرية النيابية.
من المفيد أن يتساءل رئيس التيار الوطني الحر عن حجم الجرعة السورية التي يسمح بها حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية. فحزب الله وإن كان يوافق على طموحات التيار تجاه المزيد من الانفتاح على النظام ولكنه في الوقت عينه له خارطة طريق خاصة به تتعلق بفك عزلة النظام، وهي لا تتسق مع خطة النظام الذي يريد فك عزلته بأي ثمن ولا تتسق كذلك مع الرغبة الأميركية بضرورة استبعاد النفوذ الميليشيوي الإيراني قبل تقديم أي إعتراف لأي دور إيراني في سوريا ، وطهران حكماً ضد أي نفوذ سوري حقيقي في لبنان لا يمر عبرهالا سيما بعد أن بات لبنان تحت سيطرتها.
قد يبدو خروج التيار الوطني الحر من الحكومة خياراً جديّاً لقلب المعادلة الداخلية إذ ربما يداعب الخروج من السلطة أحلام الوزير باسيل التي تحقق جزء منها بوصول العماد عون الى السلطة ويريد استكمالها بفصول مستعارة من تاريخ بعض الكبار في العالم. ولكن هذا الخروج لن يكون قطعاً شبيهاً بتنازل مانديلا الذي تابع مراسيم تنصيبه مليار مشاهد حول العالم، وحضرها قادة العالم من خلفيات متباينة، وهو لن يشبه خروج ميشيل باشيلي التي شكّلت رمز تحوّل تشيلي بعد انتهاء حكم أوغستو بينوشيه العسكري المستبد.
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات